البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

كيف نعرف الإسلام على حقيقته -2

كاتب المقال د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4179


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الحلقة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،

* تمام النعمة بالإسلام :

وأما الخبر الثالث : فهو قول الله تعالى : { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } ، وهذا أيضا من فضل الله تعالى على هذه الأمة المحمدية ، والمعنى أن الله تعالى قد أتم علينا استمرار النعمة بتمام المنهج الإلهي ، قال القرطبي : قوله تعالى:" وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي" أي بإكمال الشرائع والأحكام وإظهار دين الإسلام كما وعدتكم ، إذ قلت : { ....وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ }( البقرة : 150 ) ، وهي دخول مكة آمنين مطمئنين وغير ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية إلى دخول الجنة في رحمة الله تعالى ، وقيل : " أتممت " أي فلا زيادة ، وقيل : " أتممت " فلا استدراك ، وهكذا علمنا من هذا الخبر الصادق فضل الله علينا وكرمه الذي حبانا به فأتم علينا نعمته ،

* ابن القيم وأنواع النعم الإلهية :

وفي هذا الصدد يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : (1) في شأن النعمة : " والنعمة نعمتان : نعمة مطلقة ، ونعمة مقيدة ،
- النعمة المطلقة : هي المتصلة بسعادة الأبد ، وهي نعمة الإسلام والسنة ، وهي النعمة التي أمرنا الله سبحانه أن نسأله في صلاتنا أن يهدينا صراط أهلها ومن خصهم بها وجعلهم أهل الرفيق الأعلى ، حيث يقول تعالى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} ( النساء :69 ) ، فهؤلاء الأصناف الأربعة هم أهل هذه النعمة المطلقة، وأصحابها أيضًا هم المعنيون بقوله تعالى: {...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً...} (المائدة : من الآية : 3 ) ، فأضاف الدين إليهم ، إذ هم المختصون بهذا الدين القيم دون سائر الأمم ، والدين تارة يضاف إلى العبد ، وتارة إلى الرب ، فيقال الإسلام دين الله الذي لا يقبل من أحد دينًا سواه ، ولهذا يقال في الدعاء : " اللهم انصر دينك الذي أنزلته من السماء" ، ونسب الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة مع إضافتها إليه ، لأنه هو وليها ومسديها إليهم ، وهم محل محض لنعمه قابلين لها ، ولهذا يُقال في الدعاء المأثور للمسلمين ( واجعلهم مثنين بها عليك قابليها وأتمَّها عليهم ) ،

وأما الدين فلما كانوا هم القائمين به ، الفاعلين له بتوفيق ربهم نسبه إليهم ، فقال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ، وكان الكمال في جانب الدين ، والتمام في جانب النعمة ، واللفظتان وإن تقاربتا وتوازنتا ، فبينهما فرق لطيف يظهر عند التأمل ، فإن الكمال أخص بالصفات والمعاني ويطلق على الأعيان والذوات ، وذلك باعتبار صفاتها وخواصها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد " ، وقال عمر بن عبدالعزيز: " إن للإيمان حدودًا وفرائض وسننًا وشرائع ، فمن استكملها فقد استكمل الإيمان" ، وأما التمام فيكون في الأعيان والمعاني، ونعمة الله أعيان وأوصاف ومعانٍ ، وأما دينه فهو شرعه المتضمن لأمره ونهيه ومحابه ، فكانت نسبة الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة أحسن ، كما كانت إضافة الدين إليهم والنعمة إليه أحسن ، والمقصود أن هذه " النعمة " هي النعمة المطلقة ، وهي التي اختصت بالمؤمنين ، وإذا قيل ليس لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو صحيح ،

أما النعمة المقيدة فهي كنعمة الصحة ، والغنى ، وعافية الجسد ، وبسط الجاه ، وكثرة الولد ، والزوجة الحسنة ، وأمثال هذا ، فهذه النعمة مشتركة بين البر والفاجر والمؤمن والكافر، وإذا قيل لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو حق ، فلا يصح إطلاقاً السلب والإيجاب إلا على وجه واحد ، وهو أن النعم المقيدة لما كانت استدراجًا للكافر ، ومآلها إلى العذاب والشقاء فكأنها لم تكن نعمة وإنما كانت بليّة ، كما سماها الله تعالى في كتابه كذلك فقال جل وعلا : { فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا ...الآية} ( الفجر:15 - 17) ، أي : ليس كل من أكرمته في الدنيا ونعمته فيها قد أنعمت عليه ، وإنما كان ذلك ابتلاء مني له واختبارًا ، ولا كل من قدرت عليه رزقه فجعلته بقدر حاجته من غير فضل أكون قد أهنته ، بل أبتلي عبدي بالنعم كما أبتليه بالمصائب ،

* ورضيت لكم الإسلام دينا :

أما الخبر الرابع : فهو قول الله تعالى : { ورضيت لكم الإسلام دينا } ، فالله تعالى يخبرنا أنه رضي لنا دين الإسلام دينا ندين الله به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ولذلك قال تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }( النور : 55 ) ، وكون أن الله تعالى رضي لنا الإسلام دينا ، فإن هذا يستلزم في المقابل أن نرضى نحن بما كتب وأنزل وشرع سبحانه وتعالى ، وبما قضى به الله تبارك وتعالى إما في كتابه ، أو على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومادام الله رضيه لنا دينا فمن خالف ذلك فقد غَلَّب رضاه على رضا ربه جل جلاله ،

ويتحدث الإمام ابن القيم (2) - رحمه الله تعالى - عن عظمة الشريعة والحكم الباهرة فيها فيقول : " الحكمة الباهرة في هذا الدين القويم ، والملة الحنيفية ، والشريعة المحمدية التي لا تنال العبارة كمالها ولا يدرك الوصف حُسنها ، ولا تقترح عقول العقلاء ولو اجتمعت وكانت على أكمل عقل رجل منهم فوقها ، وحسب العقول الكاملة الفاضلة أن أدركت حُسنها ، وشهدت بفضلها، وأنه ما طرق العالم شريعة أكمل ولا أجلّ ولا أعظم منها ، فهي نفسها الشاهد والمشهود له، والحجّة والمحتجّ له، والدعوى والبرهان. ولو لم يأت الرسول ببرهان عليها لكفى بها برهانًا وآيًة وشاهدًا على أنها من عند الله. وكلها شاهدة له بكمال العلم وكمال الحكمة وسِعَة الرحمة والبّر والإحسان ، والإحاطة بالغيب والشهادة ، والعلم بالمبادئ والعواقب، وأنها من أعظم نِعَم الله التي أنعم بها على عباده ، فما أنعم عليهم بنعمة أجلّ من أن هداهم لها، وجعلهم من أهلها، وممّن ارتضاهم لها فلهذا امتّن على عباده بأن هداهم لها قال الله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } (آل عمران:164)، وقال مُعَرِّفًا لعباده ومُذَكِّرًا لهم عظيم نعمته عليهم مستدعيًا منهم شكره على أن جعلهم من أهلها (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ... الآية) (المائدة: من الآية : 3 ) ،

وتأمل كيف وصف الدين الذي اختاره لهم بالكمال ، والنعمة التي أسبغها عليهم بالتمام ، إيذانًا في الدين بأنه لا نقص فيه ، ولا عيب ولا خلل ، ولا شيء خارجًا عن الحكمة بوجه بل هو الكامل في حُسنه وجلالته ،

ووصف النّعمة بالتمام إيذانًا بدوامها واتصالها، وأنه لا يسلبهم إياها بعد إذ أعطاهموها، بل يتّمها لهم بالدوام في هذه الدار وفي دار القرار ، وتأمّل حُسْن اقتران التمام بالنعمة وحُسْن اقتران الكمال بالدين وإضافة الدين إليهم ، إذ هم القائمون به المقيمون له، وأضاف النعمة إليه؛ إذ هو وليّها ومُسدِيها والمُنِعم بها عليهم؛ فهي نعمته حقًا، وهم قابلوها. وأتى في الكمال باللاّم المؤذنة بالاختصاص وأنه شيء خُصُّوا به دون الأمم، وفي إتمام النعمة بعلى المؤذنة بالاستعلاء والاشتمال والإحاطة؛ فجاء (أتممت) في مقابلة (أكملت)، و (عليكم) في مقابلة (لكم) و (نعمتي) في مقابلة (دينكم)، وأكد ذلك وزاده تقريرًا وكمالاً وإتمامًا للنعمة بقوله : { وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} ( المائدة: من الآية : 3 ) ، وقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} ( آل عمران: 19 ) ، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ( آل عمران :85 ) ،
وقوله تعالى أيضا : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }( النور : 55 ) ، هكذا لقد وعد الله بالنصر لأولئك الذين آمنوا منكم وعملوا الأعمال الصالحة ، بأن يورثهم أرض المشركين ، ويجعلهم خلفاء فيها ، مثلما فعل مع أسلافهم من المؤمنين بالله ورسله , وأن يجعل دينهم الذي ارتضاه لهم- وهو الإسلام- دينًا عزيزًا مكينًا ، وأن يبدل حالهم من الخوف إلى الأمن ، إذا عبدوا الله وحده ، واستقاموا على طاعته ، ولم يشركوا معه شيئًا ، ومن كفر بعد ذلك الاستخلاف والأمن والتمكين والسلطنة التامة ، وجحد نِعَم الله ، فأولئك هم الخارجون عن طاعة الله تعالى ، قال الزمخشري : تمكينه هو تثبيته وتوطيده ،

* الخشية الحقيقية لا تكون إلا لله :

أما الأمر الإلهي في الآية : فهو قول الله تعالى : { واخشون } ، فبعدما نهانا الله تعالى عن خشية الكافرين والمتمردين ما دمنا مؤمنين حقا ، ومتمسكين بدين الإسلام ، أمرنا سبحانه بأن نخشاه وحده ، فالخشية – في الحقيقة – ينبغي ألا تكون إلا لله تعالى الذي بيده الأمر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، وبيده مقاليد السماوات والأرض ، فإن خفتم أحدا أيها المؤمنون فخافوا الله وحده ، وحافظوا على تنفيذ منهج الله ، ومادام الله سبحانه هو الآمر: لا تخش أعداء الله مهما بلغت قوتهم وسطوتهم وجبروتهم وطغيانهم ، لأن الله تعالى زرع في قلوبهم اليأس من أن ينسى المسلمون المنهج ، او أن يتزايدوا في الدين ، أو يكتموا الدين ، فهم لا يحرفونه ولا يزيدون فيه ، إذن فالعيب كل العيب ألا تطبقوا منهج الله عز وجل ، فإن طبقتموه فلا تخشوا أحدا إلا الله ، ومادام رضي سبحانه الإسلام منهجاً، فإياكم أن يرتفع رأس ليقول: لنستدرك على الله ، لأن الله قال : " أكملت " فلا نقص ، وقال : " أتممت " فلا زيادة ، وعندما يأتي من يقول : إن التشريع الإسلامي لا يناسب العصر، نرد : إن الإسلام يناسب كل عصر، وإياك أن تستدرك على الله ، لأنك بمثل هذا القول تريد أن تقول : إن الله قد غفل عن كذا وأريد أو أصوب لله ، وسبحانه قال : " أكملت " فلا تزيد ، وقال : " أتممت " فلا استدراك ، وقال : " ورضيت " فمن خالف ذلك فقد غَلَّب رضاه على رضا ربه (3) ،

* النهي عن خشية أعداء الإسلام :

وأما النهي الإلهي في الآية : فقوله تعالى عن موقف المؤمنين من الذين كفروا : { فلا تخشوهم } ، فما دام الله تعالى قد حكم سبحانه ألا يأتي أمر يحقق لأعداء الإسلام الشماتة به ، أو أن تتحقق لهم الفرصة في انكسار الإسلام ، أو القضاء عليه ، جاء هذا النهي الحاسم ، فلا تخشوهم أيها المسلمون لأنكم منصورون عليهم ،

ولو أراد أحد تغيير شيء من منهجه سبحانه سيلقى العقاب ، وسبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فكتاب الله معكم وترك فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهجه، فإن خالفتم المنهج فستتلقون العقاب، كما هزم الله المسلمين في أحُد أمام المشركين لأنهم خالفوا المنهج. فما نفعهم أنهم كانوا مسلمين منسوبين للإسلام بينما هم يخالفون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذن فلا خشية من المسلمين لأعدائهم ، وإنما الخشية لله وحده ، ولا خشية على الإسلام ، وإنما الخشية على المسلمين ، على أهل المنهج أن يتنكروا لمنهجهم ، فيحل بهم البوار والخسران المبين ،

إن في قوله تعالى { فلا تخشوهم واخشون } الوعد والوعيد معا ، فأنوار الوعد : ما دمتم على منهج الإسلام ، وتخشون الله تعالى وتراقبوه فلا خوف ولا خشية لأعداء الإسلام فإنهم لن يظفروا من هذا الدين بما يريدون ، ولن يحققوا ما فيه يطمعون ، وإليه يستهدفون ، ومن أجله يعملون ويدبرون ويكيدون ويتآمرون ، وأما نيران الوعيد فتحذر الأمة من أن تفرط في دينها ، وأن تتهاون في التوامها بمنهج الله عز وجل ، كما أن الآية تطمئننا إلى أن الخوف ليس على الإسلام فالإسلام محفوظ بحفظ الله له ، ومنصور بنصرة الله له ، وممكن بتمكين الله له ، أما الخوف فهو على المسلمين أتباع هذا الدين عندما يفرطوا في دينهم ، فلا تخافوا على الإسلام من أعدائه ولكن خافوا على أنفسكم من أبناء جلدتكم ، الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات في أيدي أعداء هذا الدين ،

إن هذا النهي عن خشية الكافرين وأعداء الدين ، والحث على خشية الله تعالى ومراقبته وحده ، جاء في العديد من المواضع في كتاب الله تعالى :

- قال جل جلاله : {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }( البقرة : 150 ) ، والمعنى : فولُّوا وجوهكم نحو المسجد الحرام; لكي لا يكون للناس المخالفين لكم احتجاج عليكم بالمخاصمة والمجادلة, بعد هذا التوجه إليه, إلا أهل الظلم والعناد منهم, فسيظلُّون على جدالهم, فلا تخافوهم وخافوني بامتثال أمري, واجتناب نهيي; ولكي أتم نعمتي عليكم باختيار أكمل الشرائع لكم, ولعلكم تهتدون إلى الحق والصواب.

- قال تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44 ) ، والمعنى : ويقول تعالى لعلماء اليهود وأحبارهم: فلا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي; فإنهم لا يقدرون على نفعكم ولا ضَرِّكم, ولكن اخشوني فإني أنا النافع الضار,

- قال تعالى : {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ }التوبة13 ) ، وهم الذين بدؤوا بإيذائكم أول الأمر, أتخافونهم أو تخافون ملاقاتهم في الحرب؟ فالله أحق أن تخافوه إن كنتم مؤمنين حقًا.

ونعى الله عز وجل على أولئك الذين يخشون الناس كخشية الله تعالى وشدد النكير عليهم فقال عز من قائل : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً }النساء77 ) ، فلما فرض عليهم القتال إذا جماعة منهم قد تغير حالهم, فأصبحوا يخافون الناس ويرهبونهم, كخوفهم من الله أو أشد, ويعلنون عما اعتراهم من شدة الخوف, فيقولون: ربنا لِمَ أَوْجَبْتَ علينا القتال؟ هلا أمهلتنا إلى وقت قريب, رغبة منهم في متاع الحياة الدنيا,

ومدح الله تعالى - وأثنى على - الذين يخشون ربهم ويراقبونه في كل أحوالهم وأقوالهم وأفعالهم ، قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }( الملك12 ) ، وقال أيضا : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }الزمر23 ) ، وقال جل جلاله : {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }فاطر18 ) ، وقال جل جلاله : {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً }الأحزاب39 ) ، وقال أيضا : {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ }الأنبياء49 ) ، وقال سبحانه : {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ }الرعد : 21 ) ،

* هما لنا عيدان :

روى الأئمة عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لوعلينا أنزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ( أي يوم نزولها ) ، قال: وأى آية؟ قال:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً } ، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي أنزلت فيه ، والمكان الذي أنزلت فيه ، نزلت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة في يوم جمعة ، ( لفظ مسلم ) ، وعند النسائي ليلة جمعة ، ( وهما بفضل الله لنا عيدان ) ، يا سبحان الله ، ويا لكرم الله ، ويا لفضل الله ، جعل لنا يوم نزول هذه البشريات عيدين عيد سنوي : يوم عرفة ، وعيد أسبوعي : يوم الجمعة ،

* أتبكي والبشريات تترى :

ومما قرأناه في كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه قول الله تعالى : { ....الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ....}( المائدة : 3 ) ، وكان ذلك يوم عرفة والرسول يركب ناقته العضباء ، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال ، أنصت لي الناس يا بلال !!! ، لماذا ؟ لأن الرسول القائد سيذيع على الأمة بيانا هاما نزل به الروح الأمين ، أنصت لي الناس يا بلال ، لم تكن هناك مكبرات صوت ، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نزل من القرآن ، فتهلل الناس فرحا ، مائة وعشرون ألفا من الموحدين كانوا يلتفون حول رسول الله ، فرح الأصحاب الكرام ، وغمرت قلوبهم الفرحة والسرور بكريم عطاء الله تعالى للرسول وأمته ، فرحوا جميعا إلا واحدا ، إنه أبو بكر الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر أخذ يبكي بكاءا مرا ، يبكي وينتحب ، يبكي بكاء اليتيم ، ويتململ تململ العليل السقيم ، تعجب الأصحاب لما رأوا من حزن أبي بكر ، فسألوه : ما يبكيك يا أبا بكر والبشريات تترى ؟ قال أبو بكر أو ما سمعتم ما نزل من القرآن ، قالوا سمعنا البشريات ، قال أوما سمعتم اليوم أكملت ، وأتممت ، ورضيت ، وهل بعد الكمال والتمام والرضى إلا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنا أبكي لأن أجل رسول الله قد اقترب ، وصدق أبو بكر فلم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها إلا أياما معدودات ، وانتقل إلى الرفيق الأعلى ،

وقيل أيضا أنها نزلت يوم الحج الأكبر وقرأها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبكى عمر، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ما يبكيك )؟ فقال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شي إلا نقص ، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: ( صدقت ) ،


وقالوا قديما :
إذا تم أمر بدا نقصه ... ترقب زوالا إذا قيل تم (4) ،

وروى مجاهد أن هذه الآية نزلت يوم فتح مكة ، قلت : القول الأول أصح ، أنها نزلت في يوم جمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة ، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقف بعرفة على ناقته العضباء ، فكاد عضد الناقة ينقد من ثقلها فبركت (5) ،

قال " القرطبي " (6) في تفسيره : " لعل قائلا يقول : قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يدل على أن الدين كان غير كامل في وقت من الأوقات ، وذلك يوجب أن يكون جميع من مات من المهاجرين والأنصار والذين شهدوا بدرا والحديبية وبايعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيعتين جميعا ، وبذلوا أنفسهم لله مع عظيم ما حل بهم من أنواع المحن ماتوا على دين ناقص ، وأن رسول الله صلي الله عليه وسلم في ذلك كان يدعو الناس إلى دين ناقص ، ومعلوم أن النقص عيب ، ودين الله تعالى قيم ، كما قال تعالى :" دِيناً قِيَماً " ( الأنعام : 161 ) فالجواب أن يقال له : لم قلت إن كل نقص فهو عيب وما دليلك عليه؟ ثم يقال له : أرأيت نقصان الشهر هل يكون عيبا ، ونقصان صلاة المسافر أهو عيب لها ، ونقصان العمر الذي أراده الله بقوله : { وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } ( فاطر: 11 ) أهو عيب له ، ونقصان أيام الحيض عن المعهود ، ونقصان أيام الحمل ، ونقصان المال بسرقة أو حريق أو غرق إذا لم يفتقر صاحبه ، فما أنكرت أن نقصان أجزاء الدين في الشرع قبل أن تلحق به الاجزاء الباقية في علم الله تعالى هذه ليست بشين ولا عيب ، وما أنكرت أن معنى قول الله تعالى:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " يخرج على وجهين : أحدهما - أن يكون المراد بلغته أقصى الحد الذي كان له عندي فيما قضيته وقدرته ، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصا نقصان عيب ، لكنه يوصف بنقصان مقيد ، فيقال ( له ) : إنه كان ناقصا عما كان عند الله تعالى أنه ملحقة به وضامه إليه ، كالرجل يبلغه الله مائة سنة فيقال: أكمل الله عمره ، ولا يجب عن ذلك أن يكون عمره حين كان ابن ستين كان ناقصا نقص قصور وخلل ، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول : ( من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر ) ، ولكنه يجوز أن يوصف بنقصان مقيد فيقال : كان ناقصا عما كان عند الله تعالى أنه مبلغه إياه ومعمره إليه ، وقد بلغ الله بالظهر والعصر والعشاء أربع ركعات ، فلو قيل عند ذلك أكملها لكان الكلام صحيحا ، ولا يجب عن ذلك أنها كانت حين كانت ركعتين ناقصة نقص قصور وخلل ، ولو قيل : كانت ناقصة عما عند الله أنه ضامه إليها وزائدة عليها لكان ذلك صحيحا فهكذا ، هذا في شرائع الإسلام وما كان شرع منها شيئا فشيئا إلى أن أنهى الله الدين منتهاه الذي كان له عنده. والله أعلم ، والوجه الآخر: أنه أراد بقوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أنه وفقهم للحج الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدين غيره ، فحجوا ، فاستجمع لهم الدين أداء لأركانة وقياما بفرائضه ، فإنه يقول عليه السلام : ( بني الإسلام على خمس ) .......الحديث ، وقد كانوا تشهدوا وصلوا وزكوا وصاموا وجاهدوا واعتمروا ولم يكونوا حجوا ، فلما حجوا ذلك اليوم مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنزل الله تعالى وهم بالموقف عشية عرفة { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } فإنما أراد أكمل وضعه لهم وفي ذلك دلالة على أن الطاعات كلها دين وإيمان وإسلام ، الخامسة والعشرون - قوله تعالى :{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً } أي أعلمتكم برضاي به لكم دينا ، فإنه تعالى لم يزل راضيا بالإسلام لنا دينا ، فلا يكون لاختصاص الرضا بذلك اليوم فائدة إن حملناه على ظاهره ، و" دِيناً " نصب على التمييز، وإن شئت على مفعول ثان ، وقيل : المعنى ورضيت عنكم إذا انقدتم لي بالدين الذي شرعته لكم. ويحتمل أن يريد " رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً " أي ورضيت إسلامكم الذي أنتم عليه اليوم دينا باقيا بكماله إلى آخر الآية لا أنسخ منه شيئا ، والله أعلم ، و" الْإِسْلامَ" في هذه الآية هو الذي في قوله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ } ( آل عمران: 19 ) ، وهو الذي يفسر في سؤال جبريل للنبي عليهما الصلاة والسلام ، وهو الإيمان والأعمال والشعب ،

إن الخالق سبحانه هو أعلم بخلقه تمام العلم ، ويعلم جل وعلا أن الخلق ذو أغيار، وقد تطرأ عليهم ظروف تجعل تطبيق المنهج بحذافيره عسيراً عليهم أو معتذراً فلا يترك لهم أن يترخصوا هم ، بل هو الذي يرخص، فلا يقولن أحد: إن هذه مسألة ليست في طاقتنا ، فساعة علم الحق أن هناك أمراً ليس في طاقة المسلم فقد خففه من البداية ، وما دمنا ذوي أغيار، وصاحب الأغيار ينتقل مرة من قوة إلى ضعف ، ومن وجود إلى عدم ، ومن عزة إلى ذلة ، لذلك قدر سبحانه أن يكون من المؤمنين بهذا المنهج الكامل من لا يستطيع القيام لمرض أو مخمصة ، فرخص لنا سبحانه وتعالى: { فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ،

* الإبتداع في الدين فيه تكذيب للقرآن :

إن الابتداع في الدين من الأمور الخطيرة التي تناقض نصوص الكتاب والسنة ، ويحمل في طياته تكذيبا لله ورسوله ، فما دام النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد اكتمل الدين تماما ، قال تعالى : { اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ، فلا مجال للزيادة في الدين ، ولقد جاء عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : قال رسول الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد " ( متفق عليه ) ، وفي رواية لمسلم : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ، فالحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة ، وقال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } ( الشورى : 21 ) ، وفي ( صحيح مسلم ) عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبة يوم الجمعة : " أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " ، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وهي جميعها تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها ، وأتم عليها نعمته ، ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا عندما بلّغ البلاغ المبين ، وبيّن للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال ، وأوضح صلى الله عليه وسلم : أن كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه للإسلام من أقوال وأعمال ، فكله مردود على من أحدثه ، ولو حسن قصده ، وقد عرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، وهكذا علماء الإسلام بعدهم ، فأنكروا البدع أشد الإنكار ، وحذروا منها تحذيرا شديدا ، كما ذكر ذلك كل من صنف في تعظيم السنة وإنكار البدعة ، كابن وضاح ، والطرطوشي ، وابن شامة ، وغيرهم كثير من السلف والخلف ،

* تحذير السلف والخلف من البدع والأهواء :

ولأهمية الإتباع ، وخطورة البدع والمحدثات في الدين ، قال الله تعالى :{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( النور : 63 ) ، قال ( الراغب الأصفهاني ) : " والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو قوله " (7) ، وهناك العديد من المواقف التي نقلت لنا في المصادر الموثقة حول حرص السلف على التحذير من البدع مهما كان نوعها وحجمها وطبيعتها ،

- الموقف الأول : حكاه ( ابن العربي ) رحمه الله عن الزبير بن بكار قال : " سمعت مالك بن أنس عليه سحائب الرحمة وقد أتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله من أين أحرم ( أي للحج أو العمرة ) ؟ قال : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول صلى الله عليه وسلم ، فقال الرجل : إني أريد أن أحرم من المسجد ( أي مسجد النبي بالمدينة ) ، فقال الإمام مالك : لا تفعل !! ، قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر( أي قبر النبي صلى الله عليه وسلم ) ، قال : لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة ، فقال : وأي فتنة هذه يا أبا عبد الله ؟ إنما هي أميال أزيدها ، قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني سمعت الله تعالى يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( النور : 63 ) (8) ،

- الموقف الثاني : حيث جاء عن سعيد ابن المسيب - رحمه الله - من أئمة التابعين ، جاء عنه أنه دخل المسجد بعد أذان الفجر ، فوجد رجلًا يصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، فأخذ بعض الحصىً من أرضية المسجد فرماه بها ، يريد أن يزجره ، لأنه يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أذن المؤذن فلا صلاة إلا ركعتين " ، يعني لا صلاة نافلة إلا ركعتين التي هي ركعتي الفجر، هذا الرجل التابعي الجليل العالم العامل ، لا يجب للمصلي أن يصلي أكثر من ركعتين ،
فزجره سعيد - رحمه الله ورضي عنه - ورماه بالحصى ، فقال الرجل ، انتبهوا لكلام الرجل وهو كلام العامة ، قال الرجل : يا أبا محمد ، أو يا سعيد : أيعذبني الله على الصلاة ، أيعذبني الله تعالى لأني أصلي وأتقرب إليه ؟ ، لاحظ جواب سعيد ابن المسيب وكان جواب دقيق ، قال : لا يا أخا العرب ، ولكن يعذبك لخلافك للسنة ، أي لمخالفتك للسنة ، أما الذي يصلي موافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا هو المطلوب ، والذي يثاب عليه المؤمن ، أما الابتداع ومخالفة السنة فهو لا يجوز ،

أما الموقف الثالث : فقد ورد أن أبا عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن أناساً متحلقون في المسجد ( أي مسجد النبي ) ، وبأيديهم حصى ، وفي كل حلقة شخص ( يجلس في وسطها ) يقول لهم : كبروا مائة ، هللوا مائة ، سبحوا مائة ، احمدوا مائة ، فإذا قال : كبروا مائة ، صاروا يعدون بالحصى : الله أكبر ، الله أكبر، مائة ، ثم يقول : هللوا مائة ، فيقولون : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، ويعدون بالحصى مائة ، ثم يقول : سبحوا مائة ، فيقولون : سبحان الله ، سبحان الله ، ويعدون بالحصى مائة ، وهكذا.....، . فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن رضي الله عنه وقال وأرجو أن ننتبه جيدا لما قال هذا الصحابي الجليل : ما هذا يا هؤلاء؟! إحصوا سيئاتكم ، أي ليكن حرصكم أن تعدوا سيئاتكم وتحصوها ، فأنا ضامن لكم ألا يضيع من حسناتكم شيء ، ثم قال واصفا حالهم ويا لخطورة ما قال : إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة! يعني : إما أنكم أحسن من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعندكم طريقة أحسن من طريقة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة ، ففهموا أن الطريقة الأولى لا سبيل لهم إليها ، ولا يمكن أن يكونوا أحسن من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبقيت الثانية ، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة ، فقالوا : سبحان الله! يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير، فقال رضي الله عنه : وكم من مريد للخير لم يصبه ، كم من مريد للخير لم يصبه ، كم من مريد للخير لم يصبه ، قال الإمام مالك : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.، ومعلوم أن أولها - وهم الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم - إنما صلحوا باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ، والعمل وفقاً لسنته ، مع حذرهم من البدع ، ولا يمكن لغيرهم أن يصلح إلا بسلوك هذا المسلك الذي سلكوه ،

إن دين الله تعالى ليس شيئا هينا ، وإن أمره لعظيم ، وحياطته وصيانته من التحريف والتأويلات الفاسدة أمر لا بديل عنه ، فالواجب علينا أن نتمسك به ، وأن نكون حائط صد في وجه من أفسد على الناس أمر دينهم ، وينبغي أن تنحى في هكذا أمور عواطفنا ، فكل عمل فاسد لا تصلحه النية الصالحة ، ومعلوم أن الشرط في قبول الأعمال في ديننا هذا أن تكون خالصة لله ، وأن تكون وفقا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قالوا لا يقبل العمل حتى يكون خالصا صوابا ، قال تعالى : {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }( الملك : 2 ) ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " قال الفضيل بن عياض العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه قالوا يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ، قال إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة ، وهذا هو المذكور في قوله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) ، وفي قوله : { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } ( النساء : 125 ) ، فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه على متابعة أمره وما عدا ذلك فهو مردود على عامله يرد عليه أحوج ما هو إليه هباء منثورا ، وفي الصحيح من حديث عائشة عن النبي : " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " ، وكل عمل بلا اقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعدا ، فإن الله تعالى إنما يعبد بأمره لا بالآراء والأهواء (9) ،

* الإسلام ومهمة الرسول :

هذا هو الإسلام كما ينبغي أن يفهمه المسلمون ، هذا هو ديننا الذي ينبغي أن نتمسك به ، وأن نعض عليه بالنواجز ، هذا هو ديننا كما ينبغي أن نعرفه ، وأن نفهمه ، وأن نجسده واقعا في الحياة ، وأن ندافع عنه ونفديه بالمهج والأرواح ، وبكل غال ونفيس ، هذا هو الإسلام الذي لا دين سواه يقبل عند الله تعالى ، وصدق الله تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } ( آل عمران : 19 ) ، نعم الإسلام والإسلام وحده هو الدين الحق ، وما عداه فهو الباطل بعينه ، هذا هو الإسلام الذي من ابتغى دينا غيره خاب وخسر ، قال تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }( آل عمران : 85 ) ،

نعم هذا هو الإسلام الحق الذي بعث من أجله ، وأرسل به سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، رحمة للعالمين ، وأمانا للخائفين ، وإنصافا للمظلومين ، وإسعادا للتعساء والمستضعفين ، وهداية للحائرين ، قال تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ، وقال أيضا : {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }( آل عمران : 164 ) (10) ، والمعنى كما تخبرنا الآية الكريمة أن الله تعالى أنعم على المؤمنين من العرب ، إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم , يتلو عليهم آيات القرآن , ويطهرهم من الشرك والأخلاق الفاسدة , ويعلمهم القرآن والسنة , وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي غيٍّ وجهل ظاهر ، وضلال مبين ،

نعم إن من أجل نعم الله تعالى علينا أن بعث فينا رسولا منا ، يبين لنا شرع الله ، ويجلي لنا الأمور ، ويصحح لنا العقائد والمفاهيم ، رسول أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الشرك إلى التوحيد ، ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن التفرق والاختلاف ، إلى الوحدة والائتلاف ، ومن الضلالة إلى الهدى ،

نعم نقلنا الله به من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، ومن ظلمات الجور والظلم إلى نور العدل والإحسان ، ومن ظلمات الفوضى الفكرية والمنهجية إلى نور الاستقامة في الهدف والغاية والمنهج ، ومن ظلمات القلق النفسي وضيق الصدر إلى نور السكينة والطمأنينة وانشراح الصدر ، كما قال تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }( الرعد : 28 ) ، فبطاعة الله وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس ، وقال تعالى : {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }( الزمر : 22 ) ، إن من شرح الله صدره ، فتلقى الوحي الإلهي واستجاب له ، فسعد بقبول الإسلام والانقياد له والإيمان به , فهو على بصيرة من أمره وهدى من ربه , فأين هذا ممن هو على نقيض ذلك ، ، إنهم لا يستوون ، فالويل كل الويل ، والهلاك كل الهلاك لأولئك للذين قَسَتْ قلوبهم , فعميت عن الحق ، وأعرضت عن ذكر الله , أولئك في ضلال بيِّن عن الحق ،
وقال تعالى : {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }( إبراهيم : 1 – 3 ) ،

يتبـــــع إنشاء الله ،
****************

الهوامش والإحالات :
===========

(1) - ابن القيم : الكتاب : " اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية " ، إعداد موقع روح الإسلام ، ج2 ، ص : 2 ، المصدر : ( www.islamspirit.com )
(2) - محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن قيم الجوزية : " مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة " ، دار الكتب العلمية – بيروت ، ( ب .ت ) ، ج1 ، ص : 301 ،
(3) - ومما قيل في الآية قول الضحاك : نزلت هذه الآية حين فتح مكة ، وذلك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتح مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع ، ويقال : سنة ثمان ، ودخلها ونادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ألا من قال لا إله إلا الله فهو آمن ، ومن وضع السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن " ، ( فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) ، أي لا تخافوهم وخافوني فإني أنا القادر على نصركم وتمكينكم ،
(4) - ولذلك قيل إن الذين يَصلون إلى المرتبة العالية في الغنى ، أو الجاه ، أو السلطان ، أي مجال من متاع الدنيا ، فينبغي أن يقال للواحد من هؤلاء : احذر حين تتم لك النعمة ، لماذا؟ لأن النعمة إن تمت لك علواً وغنىً وعافيةً وأولاداً وجاها وسلطانا ، فلابد أن تعلم أنك من الأغيار، وما دامت قد تمت وصارت إلى النهاية وأنت لاشك من الأغيار، فإن النعمة تتغير إلى الأقل ، فإذا ما صعد إنسان إلى القمة وهو متغير فلا بد له أن ينزل عن هذه القمة يوما ما ، وهذا هو معنى بيت الشعر المذكور ، بل إن التاريخ يحمل لنا قصة المرأة العربية التي دخلت على الخليفة وقالت له : أتم الله عليك نعمته ، وسمعها الجالسون حول الخليفة ففرحوا ، وأعلنوا سرورهم ، لأنهم فهموا أنها تمدح النبي وتثني عليه وتدعوا له ، لكن الخليفة فهم غير هذا ، فقال لهم : والله ما فهمتم ما تقول المرأة ، إنها تقول : أتم الله عليك نعمته ، فإنها إن تمت تزول ، لأن الأغيار تلاحق الخلق ، وهكذا فهم الخليفة مقصد المرأة ، فإذا تَمَّ لك الشيء ، وأنت ابْنُ أغيار، ولا يدوم لك حال فلا بُدَّ لك أن تنحدر إلى الناحية الأخرى.
(5) - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي ، (المتوفى : 671 هـ) : " الجامع لأحكام القرآن " ، تحقيق : هشام سمير البخاري ، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية ، 1423 هـ/ 2003 م ، ج6 ، ص : 61

(6) – أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي : " مرجع سبق ذكره " ، تفسير سورة المائدة ،
(7) - الرَّاغِب الأصفهاني : " مفردات ألفاظ القرآن " ، تحقيق: صفوان عدنان داوودي ، دار القلم ، دمشق ، الدار الشامية، بيروت، الطبعة الثانية 1418هـ - 1997م ، ص:156 ،
(8) - إبراهيم بن موسى بن محمد الغزناطي الشاطبي : " الاعتصام " ، تحقيق : محمد بن عبد الرحمن الشقير - سعد بن عبد الله آل حميد - هشام بن إسماعيل الصيني ، دار ابن الجوزي ، 1429 هـ - 2008م ، ج1 ، ص : 132 ،
(9) - الإمام ابن القيم : " التفسير القيم " ، ج1 ، ص : 71 ،المصدر: موقع شبكة مشكاة الإسلامية
http://www.almeshkat.net/
(10) - المتدبر لآيات القرآن الكريم يجد أن المعاني التي تضمنتها تلك الآية تكررت - بشكل مباشر - في أربع مواضع ، أحد هذه المواضع يتحدث عن دعوة أبي الأنبياء ، وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ، ومعه إسماعيل عليه السلام عند فراغهما من رفع القواعد من البيت الحرام امتثالا لأمر الواحد الديان ، هنالك كانت الدعوة الميمونة التي ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }( البقرة : 129 ) ، والمعنى : ربنا وابعث في هذه الأمة رسولا من ذرية إسماعيل يتلو عليهم آياتك ويعلمهم القرآن والسنة, ويطهرهم من الشرك وسوء الأخلاق. إنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليه شيء, الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها ، تلك هي الدعوة التي استجاب لها الحق جل جلاله ببعثة سيدنا محمد ، وعبر القرآن عن ذلك في ثلاثة مواضع :
- الأول : آية آل عمران السالف ذكرها ،
- الثاني : في سورة البقرة وهو قول الله تعالى : {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } ( البقرة : 151 ) ، والمعنى : كما أنعمنا عليكم باستقبال الكعبة ، فإننا أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل , ويطهركم من دنس الشرك وسوء الأخلاق, ويعلمكم الكتاب والسنة وأحكام الشريعة , ويعلمكم من أخبار الأنبياء, وقصص الأمم السابقة ما كنتم تجهلونه ،
- الثالث : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }( الجمعة : 2 ) ، فالله سبحانه هو الذي أرسل في العرب الذين لا يقرؤون, ولا كتاب عندهم ولا أثر رسالة لديهم, رسولا منهم إلى الناس جميعًا, يقرأ عليهم القرآن, ويطهرهم من العقائد الفاسدة والأخلاق السيئة, ويعلِّمهم القرآن والسنة, إنهم كانوا من قبل بعثته لفي انحراف واضح عن الحق ،


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تأملات، الإسلام، حقيقة الإسلام،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-05-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  محاضرة تمهيدية حول مقرر مجالات الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية لمرحلة الدراسات العليا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -44- الميثاق الاخلاقي للخدمة الإجتماعية Social Work Code Of Ethics
  وقفات مع سورة يوسف - 5 - المشهد الأول - رؤيا يوسف – أحد عشر كوكبا
  من روائع مالك بن نبي -1- الهدف أن نعلم الناس كيف يتحضرون
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -43- خدمة الجماعة المجتمعية : Community Group Work
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -42- مفهوم البحث المقترن بالإصلاح والفعل Action Research
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -41- مفهوم التقويم Evaluation
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -40- مفهوم التجسيد – تجسيد المشاعر Acting out
  نفحات ودروس قرآنية (7) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 7 ثمان آيات في سورة النساء ....
  نفحات ودروس قرآنية (6) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 6 ثمان آيات في سورة النساء .... أ
  من عيون التراث -1- كيف تعصى الله تعالى وانت من أنت وهو من هو من نصائح ابراهيم ابن ادهم رحمه الله
  وقفات مع سورة يوسف - 4 - أحسن القصص
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 5 ثمان آيات في سورة النساء ....
  طريقتنا في التفكير تحتاج إلى مراجعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -39 - الانتقائية النظرية في الخدمة الاجتماعية Eclecticism
  قرأت لك - 1 - من روائع الإمام الشافعي
  نماذج من الرعاية الاجتماعية في الإسلام – إنصاف المظلوم
  وقفات مع سورة يوسف - 3 - قرآنا عربيا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -38- مفهوم التقدير في التدخل المهني للخدمة الاجتماعية Assessment
  الشبكات الاجتماعية Social Network
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 4 ثمان آيات في سورة النساء ....
  وقفات مع سورة يوسف - 2 - تلك آيات الكتاب المبين - فضل القرآن الكريم
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -36- مفهوم جماعة النشاط Activity Group
  رؤية تحليلية مختصرة حول الإطار النظري للخدمة الاجتماعية (9)
  وقفات مع سورة يوسف - 1 - مع مطلع سورة يوسف " الر " والحروف المقطعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -35- مفهوم الهندسة الاجتماعية Social Engineering
  نفحات قرآنية ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة المحمدية 3 ثمان آيات في سورة النساء ....
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -34- مفهوم التثاقف – او المثاقفة - التثقف Acculturation
  من عجائب القران – نماذج وضاءة لجماليات الأخلاق القرآنية
  من عجائب القرآن الكريم والقرآن كله عجائب –1- الأمر بالعدل والندب إلى الاحسان والفضل في مجال المعاملات

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. أحمد محمد سليمان، سليمان أحمد أبو ستة، حسن الطرابلسي، علي عبد العال، عبد الله زيدان، صفاء العربي، د - صالح المازقي، حميدة الطيلوش، كريم فارق، ماهر عدنان قنديل، سعود السبعاني، رشيد السيد أحمد، محمد الياسين، محمد العيادي، سيد السباعي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - مصطفى فهمي، وائل بنجدو، محمد عمر غرس الله، عبد الغني مزوز، رافد العزاوي، محمد شمام ، محمد أحمد عزوز، رافع القارصي، عراق المطيري، د. عبد الآله المالكي، د- محمد رحال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عمار غيلوفي، كريم السليتي، مصطفي زهران، فتحي العابد، يحيي البوليني، سفيان عبد الكافي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. صلاح عودة الله ، د. خالد الطراولي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، صالح النعامي ، محمد الطرابلسي، المولدي الفرجاني، سلام الشماع، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، جاسم الرصيف، محمود طرشوبي، رمضان حينوني، أحمد بوادي، د- جابر قميحة، فهمي شراب، د - شاكر الحوكي ، صلاح المختار، رضا الدبّابي، د- محمود علي عريقات، صفاء العراقي، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد النعيمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسني إبراهيم عبد العظيم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فتحي الزغل، مراد قميزة، علي الكاش، إياد محمود حسين ، محرر "بوابتي"، عمر غازي، عبد الرزاق قيراط ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد الحباسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مجدى داود، فوزي مسعود ، نادية سعد، د. طارق عبد الحليم، فتحـي قاره بيبـان، عواطف منصور، الهيثم زعفان، أ.د. مصطفى رجب، ياسين أحمد، يزيد بن الحسين، سامح لطف الله، صلاح الحريري، د - الضاوي خوالدية، ضحى عبد الرحمن، د - عادل رضا، عبد الله الفقير، أشرف إبراهيم حجاج، سلوى المغربي، أنس الشابي، محمد يحي، أحمد ملحم، عزيز العرباوي، حاتم الصولي، خالد الجاف ، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، حسن عثمان، العادل السمعلي، إسراء أبو رمان، الناصر الرقيق، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- هاني ابوالفتوح، سامر أبو رمان ، د - محمد بنيعيش، مصطفى منيغ، إيمى الأشقر، محمود سلطان، أبو سمية، د - المنجي الكعبي، الهادي المثلوثي، تونسي، منجي باكير، طلال قسومي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة