البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

البيان في هزيمة الأمريكان

كاتب المقال د. ضرغام الدباغ - برلين    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4636


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الولايات المتحدة الأمريكية وبكل اعتبارات دولة القوة العظمى (Super Great Power)، القطب الأحادي، المهيمن على العالم، خسرت الحرب في العراق بنتائجها السياسية والعسكرية والاستراتيجية، خسارة واضحة بينة لا لبس فيها. الشعب والجيش العراقي ومقاومته الباسلة هزموا هذا الجهد الدولي الذي يندر تكراره في التاريخ، من قوى مسلحة وإرادات سياسية، وأخرى متآمرة متواطئة، كلها خسرت المعركة، وهي نتيجة بدأت تتضح أبعادها رغم التعتيم الشديد للغاية الذي تمارسه حكومة الولايات المتحدة على هذه النتيجة، إلا أن أشعة الشمس لا تغطى بغربال.

الآن بدأت آثار حرب العراق وأفغانستان تبدو واضحة المعالم للعيان، وبدون الاستعانة بمكبرات أو حتى نظارات، العراقيون والأفغان هزموا الولايات المتحدة، وما تحاوله الآن التغطية عليه ليست سوى تحركات هنا وهناك لإخفاء علامات هزيمة لم يعد بالإمكان إخفاؤها.

الخسائر السياسية :

الولايات المتحدة تكابر، تنكر، ولكن في عالم ثورة الاتصالات والإعلام، لم يعد بالإمكان إخفاء الجرح الغائر عميقاً، أو إنكار الحقائق الساطعة، أن العراقيون ألحقوا هزيمة تاريخية بالولايات المتحدة. هزيمة مريرة هذه هي الحقيقة، وبدون مبالغة تبدو أمامها هزيمتهم في فيثنام شيئاً بسيطاً. أميركا أصابها القنوط بعد فيثنام وشيئ من فقدان الثقة بالنفس، نعم ... ولكن أميركا هبطت من عرشها كقوة عالمية على أيدي العراقيين. أميركا التي أقبلت على المرحلة العالمية الجديدة بعجرفة وتكبر وخيلاء، ووضعت أسس النظام العالمي الجديد، القائم على القطبية الأحادية، ونظام العولمة ووضعت خارطة العالم في جيبها، تعترف اليوم أن العالم لم يعد تحت سيطرتها، وأن خسائرها وجراحها في العراق وأفغانستان أرغمتها على ذلك، وأنها تتخلى عن القيادة الأحادية. بل هي تطالب أوربا أن تلعب دوراً حاسماً في أصقاع كانت مناطق نفوذ حيوية للولايات المتحدة كالشرق الأوسط مثلاً. وتطالب أوربا بدور في مربع : بيلورسيا / مصر/ أذربيجان / مراكش. ومثل هذه الموضوعات كانت مدار نقاشات هامة في برلين بين وفد من الكونغرس الأمريكي والبرلمان الاتحادي الألماني (البندستاغ).

حيال هذا الواقع الجديد من عناصر وعوامل فرضت نفسها على صناع القرار السياسي الأمريكي، طورت الولايات المتحدة نظرية سياسية مفادها : القيادة من الخلف (leading from behind) ومارست مثل هذا الدور في ليبيا، وهو دور مرشح للأتساع وباستخدام كثيف للطائرات بدون طيار، وللجهد الاستخباري.

الولايات المتحدة لم تصل إلى قرار الانسحاب إلا بعد دراسات لمواقف بديلة أخرى و محتملة، ولكنها وصلت إلى نتيجة مؤكدة، فاتخذت القرار الصعب، بحتمية الانسحاب من العراق، لتفادي هزيمة منكرة أخرى في أفغانستان، رغم أن الانسحاب من العراق أوقف التدهور جزئياً، ولكنه لم يوقفه نهائياً، وما زال خيار الانسحاب من أفغانستان أيضاً مطروحاً وبقوة رغم ما ينطوي عليه من معاني غير الانسحاب من العراق.

فقرار الانسحاب من العراق والمقبل من أفغانستان ينطوي في جوهره على المعاني السياسية :

1. التسليم بخسارة الهدف العسكري والسياسي.
2. تقلص خيارت دوائر القرار إلى خيار واحد وهو : الانسحاب.
3. قبولها الحوار مع العناصر التي فشلت في إزالتها عن مسرح الصراع المسلح.

تقلص هامش الخيارات الأمريكية بات معروفاً حتى لحلفاءها المقربين، وحتى من ضمن عائلة الناتو، أن الولايات المتحدة عجزت عن طرح بدائل لما تصدت له بالقوة، وهذا الفشل ساطع في العراق وأفغانستان، وأما في فلسطين فهي لم تستطع منذ عام 1948 أن تدعم موقفاً حتى متساهلاً لإقامة سلام دائم، لأنها عاجزة عن كبح جماح حليف شره شرس لا يتراجع عن سياسية التوسع.

لم تعد التحركات الأمريكية سرية في معظمها، سواء على الأرض أو في كواليس السياسة الدولية ودهاليزها، بل وأن أهدافها البعيدة والقريبة غدت واضحة المعالم والأهداف. فالولايات المتحدة بدأت تدرك أنها بعثرت قواها في حروب التوسع وبحروب استنزاف لا طائل منها، لم تتمكن في نتائجها النهائية أن تهزم خصومها، بل أثخنت بالهزائم والجراح. نعم هي استطاعت بقواها العظمى أن تحتل وتدمر وتقتل، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في أن تتمكن من تقديم صور أكثر إشراقاً من الأنظمة التي تصدت لها، ولم يعد بوسعها فعل أكثر مما فعلت، حتى بات ضرب من المستحيل مواصلة السياسة التي بدأتها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ونهاية مرحلة الثنائية القطبية، وتدشين ما أطلق عليه بمرحلة النظام الدولي الجديد القائمة على الهيمنة الأمريكية الأحادية المطلقة في السياسة العالمية.

وعسكرياً، فالبرغم أن الولايات المتحدة تتمتع بتفوق في القوى ليس موضع جدال، ومن العسير أن تبلغه قوى أخرى منافسة لها أو حليفة. إلا أنها منيت بهزيمة منكرة في حرب العراق، ويتتبعها هزيمة أخرى في أفغانستان، بعدها ستقلع الولايات المتحدة من لعب دور الدركي العالمي.

نعم ... الولايات المتحدة تمتلك وسائل نقل الحرب حيث يشاءون، بإمكانهم إقامة واستخدام عناصر ردع هائلة، وربما بوسعهم كسب حروب تقليدية، وبوسعهم إنزال ضربات مدمرة، يمتلكون روح وحشية تقتل عشرات ألاف الأطفال والنساء عمداً مع سبق الإصرار والترصد، ولكن وقد غدا من الأكيد المؤكد أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقهر شعباً لا يقبل الهزيمة، والأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة لا تمتلك صورة مشرقة تريده أن يحل بدل صور وطنية. الولايات المتحدة لا تمتلك أفكاراً ولا أنماطاً صالحة للتصدير. كل فكرة تصدير ثورة أو نظام أو أنماط حكم هي فكرة بائسة من أساسها، من نابليون، إلى نظام ملالي طهران، إلى الديمقراطية الأمريكية، وفي النهاية فليست هذه العناوين سوى شعارات لتبرر التوسع والاستحواذ والهيمنة السياسية والاقتصادية.

الحقيقة الناصعة هي الولايات المتحدة لحقت بها هزيمة لا يمكن نكرانها وإخفائها خلف أفلام سينمائية، وصور وأعمال تلفيقية، فهي كبيرة بدرجة لا يمكن تغطيتها، خسارتها حرب العراق طرحت مفاهيم سياسية جديدة.

ومن بين الخسائر، هناك المنظورة منها البشرية بالأفراد، المادية منها بالنفقات والعتاد والمعدات (tangable cast). أما الخسائر غير المنظورة (intangable cast) فهي تلك المتعلقة بالمكانة السياسية والمعنويات والهيبة والتأثيرات النفسية والأخلاقية، والرعاية الاجتماعية، للمتضررين من هذه الحرب، سواء كانوا مشاركين فعليين فيها، أو بصفة غير مباشرة، كعائلات العسكريين المشاركين .

ومن المعروف بأن العسكري عندما يقتل في ميادين الحرب، تنال أسرته تقاعداً، وينتهي الأمر عند هذا الحد تقريباً، أما أولئك الذين تلحق بهم جروح في المعارك، وأسوءها تلك التي تجعل من المصاب مقعداً، ففي هذه الحالة فهو ينال أمتيازات إضافية وعلاجاً مستديماً ويكلف الدولة نفقات طائلة.

وقد حاولت الإدارة الأمريكية إخفاء أو تقليص حجم الحقائق، على الشعب الأمريكي أولاً للحفاظ على المعنويات، وفي الخارج أيضاً لتجنب عقدة تصيب أوساط القرار السياسي الأمريكي. واعتمدت الولايات المتحدة في ذلك على جهاز إعلامي دولي تمتد جذوره في أصقاع المعمورة، في احتكارات دولية عملاق، وأخرى تفرض عليها تأثيراتها السياسية، في الخلاصة، يلعب الجانب الإعلامي دوراً مهماً للغاية، وتحرص الإدارة الأمريكية وذلك ما دأبت عليه منذ الحرب الفيثنامية، بإخفاء وتقليص الخسائر في الأرواح والمعدات وذلك بأتباع أسلوب:

1. اعتبار نسبة مهمة من الخسائر أنهم قضوا بحوادث وليس بتأثير نيران (العدو).
2. والخسائر بالمعدات تنسبها إلى أعطال ميكانيكية فنية.
3. صياغة الأخبار والتحليلات بطريقة توهم المتلقي بأنه يقرأ أو يشاهد أو يسمع الحقيقة فقط.

وفي حرب العراق مورست هذه السياسة بشكل مكثف ومتنوع أكثر من ذي قبل بكثير، إذ ضغطت السياسة الخارجية الأمريكية بتأثيراتها على أجهزة الإعلام في العالم، بما في ذلك أجهزة الإعلام في الوطن العربي بعدم نشر أنباء عن فعاليات المقاومة العراقية ضد الاحتلال في العراق ، فحاولت جهد إمكانها التقليل من شأنها، وعدم نشر الأنباء عن عملياتها والخسائر الأمريكية، والغاية هي عزل المقاومة العراقية من محيطها العراقي والعربي.

وفي الحرب العراقية كان هناك نوع جديد من الخسائر، استبعدت عن الأرقام الرسمية وذلك:

1. الخسائر في صفوف الفرق الأمنية من المرتزقة.
2. عمل ضمن القوات المسلحة الأمريكية مجندون من دول أجنبية بإغراء الراتب، ومنحهم الجنسية الأمريكية أو البطاقة الخضراء للإقامة (Green Card).

وهذه المعطيات التي أسسنا عليها تحليلنا، اعتمدنا فيها على المصادر الأمريكية وهي مصادر رغم نزاهتها النسبية، إلا أن البحوث والتقارير الأمريكية يستحيل عليها رصد وإحصاء كافة الخسائر بدقة، ناهيك عن صعوبة حصر وإحصاء خسائر الجيوش الحليفة التي عملت مع الولايات المتحدة في حرب العراق منذ 1991 / 2003 / 2008 فصاعداً.

ومن الخسائر السياسية غير المنظورة، هو أن القدرات العسكرية الأمريكية أصبحت معلومة، ولأمد بعيد سوف تفقد العسكرية الأمريكية القدرة على إقناع نفسها أو حلفاءها بكسب الصراعات العسكرية رغم التفوق التقني الهائل.

يضاف إلى ذلك تراجع كبير في المعنويات وأخلاقيات الجيش الأمريكي، ولا سيما بعد كشف فضائح سجن أبو غريب والتعذيب في السجون السرية الأمريكية، ومعتقل غوانتنامو، وتراجع سمعة الولايات المتحدة في العالم، والكراهية لمواقفها وأبرز ذليل على ذلك حصولها على أقل الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في معظم المشاريع التي تتبناها أو التي تقف خلفها.

الخسائر البشرية :

غير أن اشتداد المقاومة وتضخم الخسائر البشرية من القتلى، والمنتحرين، والمعوقين والجرحى، وتصدي لجان ومؤسسات بحثية أمريكية في التقصي عن حقائق المعركة في العراق، بدأت تتسرب أرقام وإحصاءات غير تلك التي ينشرها إعلام القوات المسلحة الأمريكية، التي تحاول التأكيد على الأرقام الرسمية والتي لا تناهز الخمسة آلاف قتيل تقريباً، رغم شيوع الحقائق عن القتلى من المرتزقة ضمن الشركات الأمنية الأمريكية، وأشهر تلك البلاك ووتر (Black Water) ، وقد دشنت الولايات المتحدة هذا الضرب من استخدام قوات المرتزقة في حرب العراق بأساليب وتشكيلات جديدة. وهم يقومون بأعمال وعمليات عسكرية تضاهي أعمال القوات الخاصة، وفي استخدام أعتدة متوسطة وثقيلة بما في ذلك الطائرات المروحية، وبقيادة ضباط مرتزقة محترفون. وفرق أمنية أخرى تختص بأعمال حماية الشخصيات والأبنية الحساسة، وأخرى تعني بأعمال الخدمات من طهي وتنظيف وما شابه، وقد بلغ العدد التقريبي لهؤلاء 160 ألف مرتزق.

وبأعتبار أن الحرب الأمريكية على العراق هي حرب متعددة المراحل سياسياً وعسكرياً، أبتدأ المكشوف منذ عام 1990 ، وتواصل إلى ما بعد عام 2003 أي بعد احتلال العراق. وتواصلت الحرب السرية إلى أن أرغمت على إعلان الانسحاب. ونأخذ الأرقام التي تنشرها الولايات المتحدة كخسائر في الأفراد والمعدات كأحد المصادر، ولكن بأعتبار أن الحرب التي تواصلت لم تكن حرب نظامية، فلها جوانبها الخفية التي ما تزال طي الكتمان، لذلك فإن هذا الملف سيبقى مفتوحاً، حتى يتيسر للعراق سلطة وطنية تجري تحقيقات دقيقة لخسائر الطرفين في الأرواح والنفقات.

وعادة هناك أساليب علمية لحساب المعدلات، ومن تلك أعتبار المعدل( نسبة 1/7) أي قتيل واحد مقابل كل سبعة جرحى. وطبقا لعدد الجرحى المسجلين لأغراض الرعاية والتعويض في وزارة المحاربين القدامى الأمريكية البالغ عددهم 224 ألف جريح، يكون حاصل قسمة هذا الرقم على نسبة الجرحى إلى القتلى، يكون بين أيدينا رقم آخر للخسائر الأمريكية، وهو (32 ألف جندي قتيل 224000÷ 7 = 32000 ( .

القتلى : 2003 ــ 2008: 33,615
الجرحى : 2003 ــ 2008: 224,000
إحصاء هجمات المقاومة : *
2003 ــ 2008: 164,000
التكاليف المالية :
2003 ــ 2008: 1,8 ترليون دولار

* هجمات المقاومة تشمل القوية والمهمة منها، ولا تشمل الهجمات جنوب وشرق العراق.

وبالاستعانة بجملة من الحقائق والإحصاءات التي أجرتها مؤسسات ومعاهد بحث أمريكية غير حكومية أو شبه رسمية، في إطار حسابات الخسائر الأمريكية، ومن خلال تفاوتها الطفيف أو الكبير، نتأكد من حقيقة واحدة، أن المصادر الرسمية الحكومية لم تكن صادقة بنشرها الأرقام والمعطيات. وهذا بالطبع له هدف واحد وهو إخفاء أبعاد الهزيمة المنكرة التي تلقوها في وادي الرافدين.

ولعل في مقدمة هذه المصادر تقرير لجنة بيكر ــ هاملتون وهو أول تقرير أميركي محترف رصين تضعه لجنة مستقلة من الكونغرس استعانت بـ183 خبيرا عسكريا ومدنيا، وتعترف لأول مرة بأن معدل الهجمات في أكتوبر/ تشرين الأول 2006 قد بلغ 180 هجوما يوميا وبخسائر 102 قتيل لنفس المدة.

وفي الإطلاع على تقرير أميركي آخر لا يقل أهمية يشير إلى حجم آخر من الخسائر، وهو تقرير مكتب المحاسبة الأميركي (G. A.O) الصادر بتأريخ 23 يوليو/ تموز 2008 عن الحرب في العراق، وينص التقرير على إجمالي الهجمات التي نفذتها المقاومة العراقية بـ 164 ألف عملية قتالية أعتبرها التقرير مهمة وعنيفة) مع إشارة في نفس التقرير إلى أن هذه الأرقام لم تشمل الهجمات شرق وجنوب البلاد).

وإذا أضافنا 300 جندي أميركي قتلوا خلال فترة الحرب (لغاية أبريل/ نيسان2003 ) وكذلك القتلى من مرتزقة الشركات الأمنية البالغ عددهم 1315، يكون الرقم الإجمالي لقتلى الجيش الأميركي في العراق 32000 + 1615 = 33615 قتيل حتى 2008، ولا تذكر المصادر الرسمية الأمريكية أرقام دقيقة لعدد القتلى الذين قتلوا "في حوادث غير قتالية " كما تذكر التقارير الأمريكية غالباً، أو المنتحرين أو عدد الجرحى الذين ماتوا في المستشفيات الألمانية والذين لا تنص التقارير الرسمية الأمريكية على أعتبارهم قتلى في قوائم خسائر الحرب.

ومصدر آخر: يستفاد من ملخص لدراسة قام بها أستاذ الاقتصاد في جامعة جنوب كاليفورنيا (University of South Carolina)، ن، كامرانيProf. Nake, Kamrany)) وزميله بالجامعة م. تافت) Michael Taft) جاءت في صحيفة هافنغتون الأمريكية (The Huffington Post) أن: حرب الولايات المتحدة في العراق أوقعت من الخسائر البشرية ما يفوق الرقم المعلن (خمسة ألاف عسكري) من الرجال والنساء، وبلغ عدد الإصابات حوالي 40 الف إصابة بدرجات متفاوتة من الإعاقة، وما يستلزم من العلاج الطبي والنفسي البعيد المدى، وفقدان القدرة على العمل.

وقد أعتمد الباحثان في إعداد دراستهما على الاحصاءات التي تنشرها وزارة الدفاع الأمريكية، وبيانات الجيش، ولكنهما أشارا إلى أن الأرقام الحقيقية تتجاوز تلك الرسمية المعلنة بكثير, إذا أن الأرقام قد تجاوزت ال 30 ألف قتيل، على مدى السنوات الثمانية، على أيدي المقاومة العراقية.

الخسائر المادية :

في دراسة النتائج النهائية للحرب الامريكية على العراق، رغم أن الحديث عن إحصاءات وأرقام تامة هو أمر تكتنفه صعوبات عديدة، منها أن المصادر الحكومية لا تتحدث عن ذلك بشفافية تامة، بل تعد إلى إخفاء الكثير منها تحت مسميات وبنود عديدة، ومن جهة أخرى، فالرئيس الأمريكي يريد أن يضرب مثلاً على سوء الحالة المالية في بلاده وضرورة شد الأحزمة، أعاد إلى الخزينة 5% من راتبه (400 ألف دولار سنوياً)، تضامناً مع الموظفين الذين عليهم أن يتمتعوا بإجازاتهم ولكن من دون راتب.

ولكن الخسائر المادية لا تقل أهمية فيال حسابات النهائية، إن لم تكن أكثرها أهمية لا سيما في بلد يعد متربول الرأسمالية العالمية، كالولايات المتحدة الأميركية، حيث تعتبر الأرباح أو الخسائر مقياساً للعمل السياسي والاقتصادي. وفي بلد يلعب فيه الموقف في السوق في مقدمة الاعتبارات، فبعد أن كانت كلفة الحرب شهريا 4.4 مليارات دولار سنة 2003، ارتفعت عام 2008 لتصل 12 مليارا شهريا.

وبموجب أكثر المصادر رصانة، يمكننا أن نستخدم تقرير اللجنة الاقتصادية المشتركة التابعة للكونغرس الأمريكي، وكذلك الدراسة المهمة التي أجرها ونشرها كل من البروفسور جوزيف ستيغليتز عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، والدكتورة ليندا بيلميز الأستاذة في جامعة كولومبيا، والوثائق الرسمية وبمعاونة جمعية المحاربين القدامى التي يسرت للبحث في هذه الوثائق، أن الكلفة الإجمالية لاحتلال العراق قد بلغت 1.8 تريليون دولار، حيث تضمنت الكلفة المخصصة رسميا لتغطية العمليات ومنها أجور العنصر البشري بفئتيهم الجنود والمرتزقة إضافة إلى كلف العتاد الحربي والمعدات العسكرية (الدبابات ومركبات القتال المصفحة والشاحنات والطوافات وطائرات القتال) التي أصبح 50% منها خارج الخدمة والبقية بحاجة إلى إعادة تأهيل أو صيانة لمدة خمس سنين، كما يشير إلى ذلك تقرير بيكر هاملتون في توصيته رقم 48.

وفي عودة إلى بحث الأستاذين في جامعة جنوب كاليفورنيا (University of South Carolina)، ن، كامرانيProf. Nake , Kamrany)) وزميله بالجامعة م. تافت) Michael Taft) الذي جاء في صحيفة هافنغتون الأمريكية (The Huffington Post) في مجال التكاليف المالية، أن الدين القومي الأمريكي بلغ 14 ترليون دولار، وأ‘تبرا أن ما نسبته 7,5% من الديون إنما هي سبب مباشر ومن نتائج الحرب على العراق.

العبرة والاعتبار :

شاهدت مرة شريطاً يدور عن معركة مريرة بين ملك الغابة الأسد، المخيف في قوته وسطوته، وبين جاموس بري، والصراع تبدو نتائجه معروفة سلفاً للتفاوت في القوة، إلا أن قدر الجاموس هو أن يقاوم قدر استطاعته وليس لديه من أسلحة النزال سوى قرونه، والأسد يحاذر أن يصاب، لأن مجرد الإصابة بجرح ستكون قاتلة بصورة غير مباشرة، لأن الجرح سيجمع البكتريا، ومن ثم سوف لن يكون بوسعه الصيد، ويواجه الموت مرضاَ وجوعاً.

هذا هو حال الولايات المتحدة اليوم، وحش شرس مصاب بجروح عميقة وغائرة، ينزوي قابعاً في زاويته، جريح في جسده، وجريح في جسده وفي معنوياته.

هذا ما فعله العراقيون بمن كان يملأ الساحات صراخاً وزئيراً، يأمر رؤساء ودول بالهاتف، فيطاع، بما في ذلك دولاً كبرى وعظمى، ولكنه شبع ضرباً ولكماً وإهانة على يد العراقيين والأفغان. أما خسائرنا من الأنفس والأموال، فكل شيئ رخيص أمام تربة العراق وحسبنا الله وهو نعم الوكيل.

لسنا مسرورون لمعادة الأمريكان، ولا غيرهم، ولسنا سعداء لخسائرنا بالأرواح والأموال، ولكنهم جاؤا إلينا ودخلوا بيتنا، واضطررنا للدفاع عن ما نملك، ونحن نرجو من كل ذلك عبرة: أن لا نصبح مكسر عصا ومرمى حجر لمن شاء الاعتداء علينا، وأن يفكر ألف مرة من يشاء دخول بيت غيره، وأن تتعلم أجيالنا المقبلة أن أرض الوطن غال يستحق الموت من أجله، وأن لا تخشى في الحق لومة لائم، أو دول سوبر عظمى .

الديمقراطية وسواها من الأهداف والشعارات لا يمكن تصديرها، المجتمعات تخطو صوب تقدمها بإرادتها وبآليات تخطها بموجب معطياتها الوطنية والقومية، فالتوسع هو عدوان ولا تنفع أساليب التمويه والتجميل.

وفي هذه الدراسة عبرة أخرى وبها نزجي نصيحة نختتم مقالتنا هذه، هي لكل من يجلس في العراق وهو ليست داره ... أنج بنفسك قبل أن تمتد ألسنة الحريق لبيتك، أو كما يقول المثل العربي:
أنج سعد فقد هلك سعيد


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

العراق، أمريكا، ذكرى غزو العراق، الإحتلال الأمريكي للعراق، المقاومة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 15-04-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  الخطوط الدفاعية
  غيرترود بيل ... آثارية أم جاسوسة ..؟
  أمن البعثات الخارجية
  الحركة الوهابية
  ماذا يدور في البيت الشيعي
  الواقعية ... سيدة المواقف
  زنبقة ستالينغراد البيضاء هكذا أخرجت فتاة صغيرة 17 طائرة نازية من السماء
  اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوهيمي لامنتمي
  حصان طروادة أسطورة أم حقيقة تاريخية
  دروس سياسية / استراتيجية في الهجرة النبوية الشريفة
  بؤر التوتر : أجنة الحروب : بلوشستان
  وليم شكسبير
  البحرية المصرية تغرق إيلات
  كولن ولسن
  الإرهاب ظاهرة محلية أم دولية
  بيير أوغستين رينوار
  المقاومة الألمانية ضد النظام النازي Widerstand gegen den Nationalsozialismus
  فلاديمير ماياكوفسكي
  العناصر المؤثرة على القرار السياسي
  سبل تحقيق الأمن القومي
  حركة الخوارج (الجماعة المؤمنة) رومانسية ثورية، أم رؤية مبكرة
  رسائل من ملوك المسلمين إلى أعدائهم
  وليم مكرم عبيد باشا
  ساعة غيفارا الاخيرة الذكرى السادسة والستون لمصرع البطل القائد غيفارا
  من معارك العرب الكبرى : معركة أنوال المجيدة
  نظرية المؤامرة Conspiracy Theory
  نوع جديد من الحروب
  نبوءة دقيقة
  الولايات المتحدة منزعجة من السياسة المصرية ...!
  لماذا أنهار الغرب

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
خالد الجاف ، د - عادل رضا، د - محمد بن موسى الشريف ، منجي باكير، رضا الدبّابي، رافع القارصي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- هاني ابوالفتوح، عبد الله زيدان، محمود طرشوبي، حميدة الطيلوش، د.محمد فتحي عبد العال، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - مصطفى فهمي، سليمان أحمد أبو ستة، صفاء العربي، ماهر عدنان قنديل، د. عبد الآله المالكي، عواطف منصور، د. طارق عبد الحليم، محمد الياسين، د- جابر قميحة، أحمد بن عبد المحسن العساف ، ياسين أحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صالح النعامي ، محمود سلطان، سامر أبو رمان ، محرر "بوابتي"، د - الضاوي خوالدية، رافد العزاوي، د- محمد رحال، رشيد السيد أحمد، د - محمد بنيعيش، د. أحمد محمد سليمان، د. خالد الطراولي ، عمار غيلوفي، الهيثم زعفان، صباح الموسوي ، نادية سعد، محمد عمر غرس الله، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، إسراء أبو رمان، علي عبد العال، سعود السبعاني، الناصر الرقيق، محمد يحي، أحمد الحباسي، تونسي، عزيز العرباوي، د. أحمد بشير، يحيي البوليني، إيمى الأشقر، حاتم الصولي، فتحي الزغل، علي الكاش، د- محمود علي عريقات، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد العيادي، سيد السباعي، حسن عثمان، د. صلاح عودة الله ، يزيد بن الحسين، طلال قسومي، أحمد ملحم، عبد الله الفقير، سامح لطف الله، إياد محمود حسين ، أبو سمية، مجدى داود، د - شاكر الحوكي ، كريم فارق، محمد أحمد عزوز، العادل السمعلي، مراد قميزة، عراق المطيري، المولدي الفرجاني، صلاح المختار، ضحى عبد الرحمن، فتحي العابد، رمضان حينوني، سلوى المغربي، د - المنجي الكعبي، وائل بنجدو، صفاء العراقي، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد النعيمي، محمود فاروق سيد شعبان، أشرف إبراهيم حجاج، عبد الرزاق قيراط ، د - صالح المازقي، سلام الشماع، محمد الطرابلسي، محمد شمام ، سفيان عبد الكافي، محمد اسعد بيوض التميمي، عمر غازي، فوزي مسعود ، أ.د. مصطفى رجب، أحمد بوادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، كريم السليتي، مصطفي زهران، حسن الطرابلسي، أنس الشابي، الهادي المثلوثي، صلاح الحريري، فهمي شراب، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الغني مزوز، مصطفى منيغ، جاسم الرصيف، فتحـي قاره بيبـان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة