البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

لحظات في رحاب صيدلية القرآن: حسبنا الله ونعم الوكيل (خطبة جمعة)

كاتب المقال د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 11453


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


قال تعالى : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }( الإسراء82 ) ،
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }( يونس : 57 – 58 ) ،
وقال عز من قائل : {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }( فصلت : 44 ) ،
الحمد لله رب العالمين ، الأول قبل كل أول ، الآخر بعد كل آخر ، الظاهر فوق كل ظاهر ، الباطن الذي أحاط علمه بالأشياء كلية وجزئية ،

في الأرض أنت وفي السماء إله ** والكل منك وأنت أنت الله
ندعوك رب الكون رب محمــــد ** ندعوك توفيقا يدوم سنــاه
سبحان من عنت الوجوه لوجهــه ** فهو الكريم يجيب من ناده
هو أول هو آخر هو ظـــــــــاهر ** هو باطن ليس العيون تراه
أطلب بطاعته رضاه فإنـــــــــــه ** بالجود يعطي طالبين رضاه

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، الأمر أمره ، والحكم حكمه ، والقضاء قضاؤه ، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ، سبحانه سبحانه ، " له الحكم وإليه ترجعون " ،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين ، صلى الله وسلم عليك يا سيدي يا رسول الله ، يا من علمتنا أن : " الماهر بالقرآن ( الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا تشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه ) مع السفرة الكرام البررة ( أي مع الملائكة الكرام ) ، وأن الذي يقرؤ القرآن ، ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ، وفي رواية والذي يقرؤه وهو يشق عليه له أجره مرتين " (1) ،

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،

وبعـــــــــــــــد :

أيها الإخوة الأحباب :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ، وصية ما أحوجني وإياكم والمسلمون إليها ، اليوم وكل يوم إلى أن نلقى الله تعالى وهو عنا راض بإذن الله ، وذلك إمتثالا لقول الله تعالى ، في ندائه العلوي الأقدس المبارك الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }( الحشر : 18 ) ،

إخوة الإيمان :

الله أكبر قولوها بلا وَجَلٍ * * * وزينوا القلبَ من مَغزى معانِيــها
بها ستعلو على أفقِ الزمانِ لنا * * * راياتُ عزٍّ نسينا كيف نفديها
الله أكبر ما أحلى النِّداءُ بها * * * كأنَّه الري في الأرواحِ يُحييـــها

وبعـــد :

نداء الله للإنسان في القرآن

أيها الإنسان كيف أنت إذا علمت أن الله تعالى يناديك ، نعم يناديك ؟ ترى كيف يكون شعورك ساعتها ، وأنت تعلم أن خالقك وبارئك ورازقك يناديك ، أن رافع السماء بلا عمد يهتف بك ، فما هو موقفك من هذا النداء العلوي الأقدس ،
هل تكون من أولئك الذين أكرمهم الله فوفقهم إلى أن يتلقوا نداءه كما ينبغي أن يتقلى العبد نداء الرب ، والضعيف نداء القوي ، والذليل نداء العزيز ، والفقير نداء الغني ، والعاجز نداء القادر ، والمملوك نداء المالك ،
أم تكون من أولئك الذين أعرضوا عن نداء الله فأعرض الله عنهم ، الذين لم يعبأوا بنداء الله فلم يعبأ الله بهم ،
الذين نسوا نداء الله فأنساهم الله أنفسهم ،
الذين تمردوا على الله فلسط الله لهم من يتمرد عليهم ،
نعم الناس إزاء نداء الله لهم صنفان ، صنف سمع فأطاع ، وصنف أعرض ونأى بجانبه ، فاختر لنفسك أيها الإنسان من الصنفين تريد أن تكون ، والآن فما موقفك من نداء الله لك ،

هكذا أذكر نفسي أخا الإيمان وأذكرك بنداء الله لي ولك في القرآن الكريم ، بقوله تعالى " يا أيها الإنسان "،
والباحث في القرآن إخوة الإيمان يجد أن هذا النداء للإنسان ، وبهذه الصيغة ، ورد في القرآن مرتين ، في الجزء الثلاثين منه ، جزء عم ،
فهيا بنا لنرى ماذا يقول لنا الحق جل جلاله في هذا النداء ،
لكني أريد منك وأنت تستمع للنداء أن تستحضر عظمة المنادي ، وجلال المنادي ، وطلاقة قدرة المنادي ، أن تستحضر أن الذي يناديك هو الله ، الذي بيده مقاليد الأمور كلها ، فالأمر أمره ، والقضاء قضاؤه ، والحكم حكمه ، ولاراد لقضائه ولا معقب لحكمه ،
أما النداء الأول فلقد جاء في سورة الانفطار : {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ، ِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ }( الانفطار : 6 ) ، ،

وأما النداء الثاني ففي سورة الإنشاق : {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }( الانشقاق : 6 ) ،

أما النداء الأول فهو نداء يتضمن عتابا إلهيا لي ولك ، يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، ما الذي خدعك ، ما الذي أغواك ، حتى تتمرد عليه ، وتبارزه بالمعاصي والموبقات ،
وأما النداء الثاني فهو يلخص لك رحلة الحياة على الأرض ، ويطويها طيا ، ويضع لها عنوانا يجمل فلسفتها وطبيعتها وماهيتها ، إنها حياة الكدح والتعب والشقاء والمعاناة إلى أن تلقى ربك ومولاك ، إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ، وإياك أن تظن أنها حياة مفروشة بالورود والرياحين ، إنما هي حياة ابتلاء واختبار وامتحان ،
والنداءان يرتبطان ، إياك أن تغتر بربك ، فحياتك عبارة عن رحلة معاناة وعنت ومكابدة ، حتى تلقى الله تعالى فيجازيك عما فعلت فيها ، إن خيرا فخير ، وإن كانت الأخرى فعلى نفسها جنت براقش ، " إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم وأوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ، وصدق الله تعالى إذ يقول : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ،
فأين نحن من هذين الندائين إخوة الإيمان ،

إنه النداء الإلهي الذي يحرك المشاعر والأحاسيس والضمائر الميتة ، والقلوب القاسية التي أصابها العطب ، وران عليها ما اقترف اإنسان من ذنوب ومعاصي وموبقات ، فقست حتى أصبحت كالحجارة أو أشد قسوة ، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ، وإن منها لما يهبط من خشية الله ، إنه نداء يحرك القلوب ليعيد فيها الحياة من جديد ، نداء يرقق القلوب ، ويهز النفوس ، وينبهها من غفوتها ، ويوقظها من سباتها ومن غفوتها وغفلتها وسكرتها ، وما أخطره من نداء لو تعلمون ، يوجه العقول إلى الحق ، ويصرفها عن الباطل ، يوجهها إلى الطاعة الإمتثال ، ويصرفها عن التمرد والعصيان ،
ابن آدم
تعصي الإله وأنت تزعم حبه **هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ** إن المحب لمن يحب مطيع

علمنا القرآن أن الناس إزاء النداء الإلهي ينقسمون إلى قسمين : أحياء وأموات ، وعلمنا أن النداء الإلهي يجد طريقه إلى قلوب الذين لا زالت فيهم بقايا حياة ، أما الذين افتقدوا الحياة فلا يصل إليهم النداء أصلا فضلا ‘ن أن يؤثر فيهم ، ومن ثم فلا أثر للإنذار الإلهي عليهم ، نعم فالقرآن الكريم في حديثه عن الحياة الإنسانية يتجاوز المظاهر البيولوجية للحياة ، كحركة القلب ، ودوران الدم .... وحركة الجهاز الهضمي ، والتنفسي ، والبولي .......ونظائرها من الأجهزة العضوية ، فهذه الحياة حيوانية لا تستطيع وحدها أن توضّح الإطار الإنساني للحياة ، ولا تعطي للحياة الإنسانية قيمتها ومعناها الحقيقي الأصيل ، ولكن ثمة نوع آخر من الحياة الحقيقة التي ينبغي أن يتزوّد بها الإنسان كي يتمتع ويوصف بالحياة الإنسانية على الوجه الصحيح ، وهي حياة الروح والقيم والمباديء والأخلاق ، حياة الإيمان واليقين برب الأرض والسماء ، وقد يفتقد شخص ما هذه الحياة تماما ، وهو يتمتع بكامل مظاهر الحياة البيولوجية المادية ، وهو أمر بينه القرآن الكريم بيانا شافبا حين قال الله تعالى : {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ }( يس : 70 ) ، والمعنى : لينذر مَن كان حيَّ القلب ، مستنير البصيرة , يقظ الضمير ، ويحق العذاب والنقمة على الكافرين بالله ، لأنهم قامت عليهم بالقرآن حجة الله البالغة ، وانظر إلى قول الله تعالى أيضا : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }( الأنعام : 122 ) ، والمعنى : أوَمن كان ميتًا في الضلالة ، مترديا في ظلمات الجهل والشرك ، هالكا حائرا, فأحيينا قلبه بالإيمان واليقين , وهديناه له , ووفقناه لإتباع رسل الله تعالى , فأصبح يعيش في أنوار الهداية , كمن مثله في الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة , لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص له مما هو فيه ؟ فشتان ما بينهما ، إنهما بالقطع لا يستويان , وكما خذل الله هذا الكافر الذي يجادل المؤمنين فزيَّنْ له سوء عمله , وفساد أخلاقه فرآه حسنًا , فكذلك زين للجاحدين أعمالهم السيئة ، ليستوجبوا بذلك العذاب ،
فالآية توضح ذلك الفرق الشاسع ، والبون الواسع بين إنسان ميت بالكفر والشرك فأحياه الله تعالى بالهدى ، ووفقه بأن جعل له نورا من الإيمان يبصر به الحق من الضلال ، والغي من الرشاد ، وبين ذلك الكافر الذي بقي على موته يتخبط في دياجير الظلام ، لا يهتدي إلى حق ، ولا يصل إلى بر أمان ،

نعم إن الحياة الحقيقية في هذه الدنيا هي حياة القيم ، حياة الإيمان ، حياة الهداية ، حياة الاستقامة ، كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " مثل الذي يذكر ربه ، والذي لا يذكر ربه ، مثل الحي والميت ( رواه البخاري ، ومسلم إلا أنه قال مثل البيت الذي يذكر الله فيه ، وصححه الألباني رحمه الله ) ، فالذاكر لله المراقب له المستحضر لعظمته هو الحي ، أما الجاحد بالله ، الكافر به ، المشرك معه غيره فهو الميت ،

نعم أيها الأحباب ، إنه النداء الإلهي للإنسان في القرآن الكريم يهتف به ليل نهار، فبه قامت الحجة على الإنسان ، فمن تلقاه بالقبول والسمع والطاعة والامتثال ، سعد في الدنيا والآخرة ، ومن رفض النداء الإلهي فقد رفضه الله ، ومن أعرض أعرض الله عنه ، " وعلى نفسها جنت براقش "!!

وعن أبي واقد الليثي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه ( أي نفر من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ) إذ أقبل ثلاثة نفر – فدخلوا المسجد - فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذهب واحد ( أي رجع وخرج ) ، فلما وقفا على رسول الله سلما ، فأما أحد هما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم على النفر الثلاثة ( أي أخبرهم بحقيقة أمرهم ) : أما أحد هم فآوى إلى الله فآواه الله ، ( وهو الذي جلس في الحلقة ) ، وأما الآخر فاستحيى فاستحيى الله منه ( الذي جلس خلف الحلقة ) ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه " (1) ،

إننا نرى ونعايش ونلمس حيرة إنسان هذا العصر ، وهو يتخبط في التيه الذي أدخلته فيه الحضارة المعاصرة العرجاء العوراء ، الحضارة التي وصفها العقلاء من الفلاسفة والمفكرين الموضوعيين المنصفين من أبنائها والمنتمين إليها بأنها حضارة الرقي المادي والإفلاس الروحي ، إنها حضارة المادة التي سيطرت على القلوب فأورثتها القلق والتوتر والاضطراب والحيرة ، حيث أضحت المادة هي فلسفة الحياة وغايتها ، يعبدها الناس ويقدسونها ، ويتصارعون في سبيل الحصول عليها ، إنه عصر الحيرة والتردد والتمزق النفسي ، وهاهو الشاهد والدليل على ذلك يتمثل في ارتفاع معدلات الأنتحار والشروع فيه بين أبناء تلك الحضارة ، حيث بلغت ظاهرة الانتحار هناك حداً من الانتشار ، حتى أصبحت في رأي علماء النفس والاجتماع صرعة غربية ، فالواقع السريع للتطور التكنولوجي المتلاحق ، والاتجاه الشرس نحو المادية المفرطة ، وتفكك الروابط والعلاقات الاجتماعية والأسرية أوجد إحساساً بالضياع ، وأوجد أزمة هوية لدى الشباب والمراهقين في بلاد الغرب التي أصبحت مهددة بانهيار نفسي وجماهيري ...
هذا الإحساس بالضياع الذي يعيشه مراهقو الغرب أوجد نزعة نحو التخلص من مشاكل الحياة المادية باللجوء إلى الانتحار ...

نعم الإنسانية اليوم حائرة في وهدة الضياع ، وهي تبحث عن الرشد والسداد والأمن والأمان ، والسلامة والسلام ، إن الإنسانية التي تريد النجاة الدائمة والحفاظ على وجودها وبقائها ، لا يمكنها تحقيق آمالها ، وتجنب آلامها ومخاطر المستقبل التي تحدق بها ، إلا بالإصغاء الواعي لنداءات القرآن العظيم وتوجيهاته ومواعظه السديدة ، وإرشاداته البليغة ، وحين يستجيب الإنسان لهذا النداء الإلهي ، تصبح الحياة جنة في الدنيا ، ويتخلص الجميع من الآلام وألوان الشقاء والعذاب الذي يتعرضون له ، فهل من واع أو مدرك لهذا؟!

أيها الإخوة الأحباب :

وانطلاقا من هذين النداءين ، وتمشيا مع ما حواه من معاني ومضامين تنتشلنا بإذن الله مما نحن فيه ، نود اليوم أن نعيش بضع لحظات في رحاب رياض بساتين مائدة الرحمن ، القرآن الكريم ، وما أدراك ما القرآن ، أعظم كتاب عرفه الوجود كله ، إنه كتاب الله إلى خلق الله من عالم البشر ، إنه الكتاب الذي ختم الله به وحي السماء ، والمصدق لكل ما سبقه من الكتب ، المهيمن عليها ، إنه كتابنا وإمامنا ودستورنا السماوي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ،

ولقد صدق الشاعر الإسلامي إذ يقول :

الله أكبر إن دين محــــــــــــــمد *** وكتـــــابه أقوى وأقوم قيلا
لا تذكروا الكتب السوالف عنده *** طلع الكتاب فأطفئوا القنديلا

لقد عرف أسلافنا العظام ، قيمة هذا الكتاب المبين ، وقدروه حق قدره ، ولذلك كانوا يعيشون بالقرآن وللقرآن ومع القرآن ولأجل القرآن ، كانت حياتهم قرآنا ، والقرآن حياتهم ، أعطوه حياتهم ، فأعطاهم معنى الحياة ، لماذا لأنهم علموا وأيقنوا أن الحياة بغير القرآن لا تعد حياة ، وأن الحياة الحقيقية لا تكون إلا بالقرآن ، ومع القرآن ، ومن أجل القرآن ،

* الإمام جعفر الصادق وبعض كنوز القرآن وأسراره :

ولعل من أروع النماذج التي وصلتنا بشأن ثمرات معايشة القرآن وتوثيق الصلة به ، والإقبال على مدارسته وتدبره ، وسبر أغواره ، وفهم معانيه ، ما يروى عن الإمام جعفر الصادق عليه رحمة الله ، وهو من آل البيت الكرام ، فهو ابن محمد الباقر ، ابن علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم جميعا ، وكان جعفر الصادق من أوثق الناس صلة بالقرآن ، وإقبالا عليه وتدبرا لآياته ، وتوقفا عند عجائبه وأسراره ، واستخراجا لكنوزه ، نعم كان من أفقه الناس بالقرآن ، وكان من أعلمهم في استنباط أسرار الله في القرآن ، كان عالماً بكنوز القرآن ، ورويت عنه في ذلك مواقف هي من الأعاجيب التي تأخذ بالألباب ، والتي يقف الإنسان أمامها مشدوها لما فيها من عمق الفهم ونور البصيرة ، وهذا أحدها يتعلق بالفزع إلى الذكر والتضرع والدعاء إلى الله عند وقوع المصائب الابتلاء والأدواء :

*عجبت لأربع كيف يغفلون عن أربع :

فلقد روي من مأثوراته أنه قال يوما عجبت لأربع كيف يغفلون عن أربع : " عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قول الله تعالى : { حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل } ( آل عمران : 173 ) ، فإني سمعت الله بعقبها يقول : { فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء } ( آل عمران : 174 ) ،
وعجبتُ لمن اغتمَّ ( أي أصابه الغم ) ولم يفزع إلى قول الله تعالى : { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين } ( الأنبياء : 87 ) ، فإني سمعت الله بعقبها يقول : { فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم وكذلك نُنجِي المؤمنين } ( الأنبياء : 88 ) ،
وعجبتُ لمن مُكر به ، كيف لا يفزع إلى قول الله تعالى : { وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله . . } ( غافر : 44 ) ، فإني سمعت الله بعقبها يقول : { فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ . . } ( غافر: 45 ) ،
وعجبت لمن مرض كيف لا يفزع إلى قوله تعالى : {...... أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }( الأنبياء83 ) ، فإني سمعت الله بعقبها يقول : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }( الأنبياء : 84 ) ،

الله أكبر ، هذا هو القرآن يا أهل القرآن ، يا من آمنتم بمن أنزل القرآن ، هذا هو القرآن يا أحباب وأتباع من نزل عليه القرآن ، وصدق الله تعالى إذ يقول : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }( الإسراء : 82 ) ،

إنها وصفات علاجية ، وأدوية ربانية توصل إليها هذا الرجل الصالح من سلف هذه الأمة ، أخرجها لنا جعفر الصادق ، صاحب القلب الذي أحب القرآن ، بل عشق القرآن ، وتدبر القرآن ، وخبر ماوراء الكلمات والحروف ، من المعاني الكبرى والمضامين العظمى ، نعم قلب تدبر القرآن فوعاه ، وأخرج لنا بعضا من أسراره ، فتعالوا إخوة الإيمان إلى هذه العلاجات الربانية التي نحن أحوج ما نكون إليها اليوم ، في وقت عجز فيه أطباء الأرض ، عن علاج أمراض البشرية وأدواء الإنسانية ،

يا رب قد فسد الزمان فنـــجنا ** يارب قلت حيلتي فتــــــــولنا
يارب من كل المصائب عافنا ** يارب قد عجز الطبيب فداونا
بخفي لطف واشفنا يا شافي

فتعال أخا الإيمان إلى الوصفة الأولى لنعيش في رحابها دقائق معدودات ، إنها علاج القرآن لحالات الخوف والفزع والهلع ، وما أكثرها في زمان الناس هذا ـ الخوف من الأعداء ، الخوف من الموت ، الخوف من الفقر ، الخوف من فقدان النعمة ، الخوف من المصائب ، فما العلاج القرآني لهذه الحالات ، إسمع يقول جعفر الصادق :
" عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قول الله تعالى : { حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل } ( آل عمران : 173 ) ، فإني سمعت الله بعقبها يقول : { فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء } ( آل عمران : 174 ) ،

واسمحوا لي إخوة الإيمان – ومراعاة لعامل الوقت - ألا أتطرق بالحديث عن نزول ألآيات ومناسبتها وسياقها الذي وردت فيه رغم أهمية ذلك ، وربما كان لنا بإذن الله تعالى لقاء آخر معها في المستقبل القريب ، ولكني سأقف اليوم أمام الدواء الناجع الذي وصفه لنا الإمام جعفر الصادق ، دواء الخوف ، وعلاج الوجل ، وبلسم الرعب ، وشفاء الهلع ، ولاحظوا يا إخوان أن الدواء إنما يتمثل في كلمة ، لكنها ليست كأي كلمة ، ليست ككل الكلمات التي ملأت حياتنا ، ولا معنى لها ، وإنما هي كلمة فيها الإيمان كله ، فيها اليقين كله ، فيها الثقة في الله كلها ، وفيها التسليم لله ، وفيها الاعتصام بالله ، وفيها الاستعانة بالله ، وطلب المدد والمعونة والتأييد والنصر منه وحده ، وبالجملة فإنها كلمة فيها معرفة العبد لربه حق المعرفة ، ومعرفة العبد لنفسه ،
وإذا ما عرف العبد ربه ، وعرف نفسه ، وانطلقت كل تصرفاته وأعماله في حياته الدنيا على أساس متين من هذه المعرفة ، كان أقرب إلى الفوز والنجاة والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة ،
نعم إخوة الإيمان إنها كلمة قليلة حروفها ، محدودة في مبناها ، لكنها عظيمة في معناها ومغزاها وفحواها ، إنها " حسبنا الله نعم الوكيل "

جاءت هذه الكلمة التي وجهنا إليها جعفر الصادق في قول الله تعالى مثنيا على فريق من عباده الصالحين محمد صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه الأجلاء حين يقول :
{ الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } ( آل عمران : 173-174 ) ،

من هم أولئك الذين خوفهم الناس من الناس ، إنهم طائفة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، فبعد غزوة أحد ، أراد الرسول أن يؤدب قريش فأمر بالخروج للجهاد ، فجاءهم من يخوفهم بأن القوم قد جيشوا لهم الجيوش وأعدوا لهم العدة ، " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم " فماذا حدث ، وكيف تصرف أصحاب محمد ، هل قال بعضهم لبعض فلنكن عقلاء ، ولا نلقي بأيدينا إلى التهلكة ، هل قال أحدهم أن ميزان القوى بيننا وبين أعدائنا غير متكافيء ، هل قالوا كما قال غيرهم من قبل " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " ، : أبدا والله ، بل كان موقفهم يثير العجب كما حكاه القرآن ، الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعةا لكم فاخشوهم ، فزادهم إيمانا " هذا التخويف والترهيب والترويع ما زادهم إلا إيمانا بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، زادهم إيمانا بأنهم إذا كانوا ضعفاء فهم في كنف القوي ، وإذا كانوا إذلاء فهم في رحاب العزيز ، وإذا كانوا فقراء فهم مع الغني ،

وقوله تعالى : ( فزادهم إيماناً ) أي زادهم قول الناس إيمانا على إيمانهم ، ويقينا على يقينهم ، وثقة في الله على ثقتهم ،

ثم ماذا : وقالوا : ( حسبنا الله ونعم الوكيل } كلمة لعلّهمُ ألهموها أو تلقّوها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وحسب أي كاف ، ومَعناها : إنّهم اكتفوا بالله ناصراً وإن كانوا في قِلّة وضعف ،

و ( الوكيل ) وهو المتولي أمرنا والقائم بشؤننا ، وله الحكم والأمر ،

فماذا كانت النتيجة ، النتيجة بينها القرآن لتأخذ الدرس والعبرة ،
{ فانقلبوا بنعمة من الله } ، تعقيب للإخبار عن ثبات إيمانهم وقولِهم : { حسبنا الله ونعم الوكيل } ، والانقلاب يقتضي أنَّهم خرجوا للقاء العدوّ الذي بلغ عنهم أنّهم جمعوا لَهم ، ولم يَعبأوا بخويف الشيطان ، والتقدير : فخرجوا فانقلبوا بنعمة من الله ، والباء للملابسة أي ملابسين لِنعمة وفضل من الله ، فالنعمة هي ما أخذوه من الأموال التي ربحوها من التجارة التي أفاء الله عليهم بها وهم في الطريق للعودة ، والفضلُ فضل الجهاد ، ومعنى لم يمسسهم سوء لم يلاقوا حرباً مع المشركين ،

وقيل أن الرسول هو الذي قالها وأمر أصحابه أن يقولوها ، حين أتاه رجل من الناس يقول : إن الناس قد جمعوا لكم ، فقال عليه الصلاة والسلام: { حسبنا الله ونعم الوكيل } ،

نعم " حسبنا الله ونعم الوكيل " وحسبنا يعني كافينا ، إنها الكلمة التي قالها ويقولها أصحاب الدعوات والرسالات ، في كل زمان ومكان إذا أدلهمت بهم الخطوب ، واشتدت عليهم الكروب ، أو توالت عليهم الهموم ، أو ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت ، فماذا تعني هذه الكلمة العظيمة؟ وما السر الذي تشي به هذه الكلمة ؟

إنها كلمة التفويض ، تعني تفويض الأمر إلى الله جل جلاله ، والتوكل عليه ، والثقة بوعده ، والرضا بصنيعه ، وحسن الظن به ، وانتظار الفرج منه ، إن هذه المعاني مِن أعظم ثمرات الإيمان، ومِن أجلِّ صفات المؤمنين ، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة ، ويعتمد على ربه في كل شأنه ، فماذا يجد ، إنه لاشك يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييد والنصرة من مالك الملك وملك الملوك جل جلاله ، وعز سلطانه ، وتقدست أسماؤه ،

إن من يلهج لسانه بهذه الكلمة وهو يستحضر معناها في قلبه ، تتجاوب معها كل ذرة من ذرات كيانه ولسان حاله يهتف قائلا في تسليم وخضوع لله الواحد الديان :

لا الأمر أمري ولا التدبير تدبيري * ولا الأمور التي تجري بتقديري
لي خالق رازق ما شاء يفعل بي * أحاط بي علمه من قبل تصويري

حسبنا الله ونعم الوكيل ، إنها ليست مجرد كلمة تقال ، وليست حروفا تلوكها الألسنة ، إنما هي وإيمان ويقين ، وتوكل وثقة ، وعقيدة وعمل ،
لَمَّا أُلقي إبراهيم عليه السلام في النار التي أعدها له الجبار الطاغية النمروز ، ولما ألقوه فيها قالها هاتفا من أعماق قلبه وهو بين السماء والأرض بعد أن قذف به المنجنيق إلى النار ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، فماذا كانت النتيجة ، ألقي إبراهيم في النار فجعلها الله عليه برداً وسلاماً ، وجاء النداء العلوي للنار على الفور : {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }( الأنبياء : 69 ) ، فانتصر الله لرسوله إبراهيم ، فلم يَنَلْه فيها أذى , ولم يصبه منها مكروه ، فلم تحرق منه غير وثاقه وذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها وبقوله وسلاما سلم من الموت ببردها

إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يصارع الأحداث ، ولا يقاوم الملمات ، ولا ينازل الخطوب ، لأنه خلق ضعيفاً عاجزاً ، ولكنه حينما يتوكل على ربه ، ويثق بمولاه ، ويفوض الأمر إليه ، يجد النصر والتأييد والفتح والإعانة : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ( المائدة:23 ) ،

فيا من أراد أن ينصح نفسه : توكل على القوي الغني ذي القوة المتين ، لينقذك من الويلات ، ويخرجك من النكبات ، واجعل شعارك ودثارك : (حسبنا الله ونعم الوكيل) فإن قل مالك ، وكثر دينك ، وجفت مواردك ، وشحت مصادرك ، فنادِ في خشوع وخضوع : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ).

وإذا استولى عليك الخوف من عدو، أو ملأك الرعب من ظالم ، أو استبد بك الفزع من خطب ما فاهتف بها : (حسبنا الله ونعم الوكيل).

قلها يا ابن آدم ، والهج بها ، وتأمل معناها ، وعش مضامينها ، قلها ورددها ، واعلم أن الله يسمعك ، ويعلم حالك ، قلها ورددها واعلم أن الله هو الهادي والنصير أما يكفيك هذا ، أما قرأت قول الله تعالى : { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } ( الفرقان :31 ) ،
قلها ورددها وقلبك موقن بأن الله هو الحسيب : وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً }( النساء : 6 ) ، أي حافظاً لأعمال خلقه ومحاسبهم عليها ،
قلها وأنت موقن أن الله هو الولي وهو النصير : {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً }( النساء : 45 ) ، وليا : أي حافظا لكم من أعدائكم ، ونصيرا أي : مانعا لكم من كيدهم وتدبيرهم ومكرهم ،
قلها وأنت موقن أن الله هو الشهيد عليك وعلى عملك وقولك ، {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً }النساء79 ) ،
قلها وأنت موقن أن الله هو الوكيل : {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء81 )

الله ربي لا أريد سواه * ما في الوجود حقيقة إلاه

فضل كلمة: (حسبنا الله ونعم الوكيل)

"حسبنا الله ونعم الوكيل" إنها كلمة المسيرة التي تحققت في حياة الإمام الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام , قالها في وهج العاصفة , قالها وهو يصارع الأحداث ، لأنه كما يقول بعض المعاصرين: إنه عليه الصلاة والسلام فتح جبهات عديدة : جبهة ضد الصهاينة , وجبهة ضد النصرانية , وجبهة ضد المجوسية , وجبهة ضد الصابئة , وجبهة ضد المشركين , وكلها يتلقاها بـ ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) , وهي الكلمة التي قالها من قبل الخليل إبراهيم عليه السلام وهو بين السماء والأرض عندما وضع في المنجنيق , فلما اقترب من النار أتاه جبريل عليه السلام ، وهو على هذه الحال من الكرب والضيق ، فقال له : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ فنبض التوحيد والتوكل في قلب إبراهيم الذي كان أمة كما وصفه القرآن الكريم ، فقال : أما إليك يا جبريل فلا ، لأنك مخلوق مثلي لا تملك لنفسك ضرا ولا نفعا ، وأما إلى الله ، فحسبنا الله ونعم الوكيل ، فجعل الله له النار برداً وسلاماً.

* أهمية الاعتصام بالله والتوكل عليه :

إنه التوكل على الله ، إنه الاعتصام بالله ، إنها الثقة في الله ، روى البخاري وغيره في الصحيح وزاد الإسماعيلي في روايته: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم - سيد المتوكلين - خرج إلى الصحراء في غزوة يجاهد في سبيل الله, وفي الظهيرة تفرق أصحابه تحت الشجر ينامون ، كل وضع رداءه لينام , وأخذ صلى الله عليه وسلم الشجرة الكبيرة فنام تحتها وخلع ثوبه وعلقه في الشجرة وبقي في إزار، نام عليه الصلاة والسلام - ولكن كما يقول شوقي :

وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نم فالحوادث كلهن أمان
أي: إذا لاحظتك عناية الله فنم ملء عينك , ونم ملء جفونك ، نم قرير العين ولا تخف شيئا ، لأن عين الله تحرسك ،
إذا لم يكن عون من الله للفتى ***فأول ما يجني عليه اجتهاده
فإذا لم يرد الله بالإنسان خيراً ، فمهما بذل من الوسائل والأسباب فهي تكون عليه لا له , وإذا رضي الله عز وجل عن عبد فإنه لا خوف عليه.
نام رسول الله وهو الذي علمنا أن نقول عند النوم (2) : " اللهم وضعت جنبي إليك ، وأسلمت نفسي إليك ، وألجأت ظهري إليك ، وفوضت أمري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت " ، هكذا علمنا قبل أن ننام ، وقبل أن نسلم نفوسنا لباريها وخالقها أن نحقق التوكل على الله وأن نفوض الأمر إلى الله ،

نام صلى الله عليه وسلم فجاءة أحد المشركين الكارهين الحاقدين العتاة ، تتحرك حيات الكرهية في صدره ، فنظر إلى محمد فوجده نائما تحت الشجره وسيفه معلق في أحد أغصانها ، فوجدها فرصة أن يتخلص من محمد ويقضي عليه إلى الأبد ، فاخترط سيف الرسول عليه الصلاة السلام بيده , وأيقظ الرسول عليه الصلاة والسلام , ويرفع السيف ليهوي به على رقبة محمد وهو يقول : من يمنعك مني يا محمد ؟ قال : الله! الله هو الذي يمنعني ويعصمني منك ، فاهتز المشرك خوفاً ورعباً وسقط السيف من يده على الفور , فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم السيف ونظر إلأى المشرك ، وقال له : من يمنعك مني؟ قال: لا أحد ، كن خير آخذ يا محمد ، قال: عفوت عنك ، فما كان من الرجل إلا أن أسلم ، ودعا قبيلته للإسلام فأسلموا عن بكرة أبيهم ، ولا تتعجب يا ابن آدم فهذا صنيع الله تعالى ، هذا صنيع قيوم السماوات والأرض ، فوحدوا من لا يغفل ولا ينام ،

ولذلك جاء في الأثر أن الله تعالى يقول في حديث قدسي يصححه بعض العلماء : { وعزتي وجلالي ما اعتصم بي أحد فكادت له السماوات والأرض ، إلا جعلت له من بينها فرجاً ومخرجاً ، وعزتي وجلالي ما اعتصم بغيري أحد إلا زلزلت الأرض من تحت قدميه " ، فالذين يتصلون بغير الله ، ويعتمدون على غير الله ويعتصمون بغير الله ما هم في الحقيقة إلا جبناء وسفهاء , ولا يملكون شيئاً حتى ولو خططوا وملكوا ورصدوا ، حتى ولو دبروا ولو حاولوا فالقدرة قدرة الله , اسمع إلى الله تعالى وهو يقول : { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } (الزخرف:79-80 ) ،

ولقد علمنا الله أن نتوكل عليه ، وأمرنا بذلك ، بادئا برسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم ، إذ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله عليه الصلاة والسلام ولكل مسلم : {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً }( الفرقان:58 ) ، لأن الله لا يموت أما سواه فيموت ، الأنداد , والأضداد , والهيئات , والمنظمات , والكيانات كلهم يموتون ، والمطلوب منا ألا نخاف إلا من الله ، ألا نخشى إلا الله ، ألا نتوكل إلا على الله ، ألا نثق إلا في الله ، ألا نسأل إلا الله ، ألا نستعين إلا بالله ، قال بعض المفسرين: إذا أردت أن تكون أشجع الناس فلا تخف إلا من الله , ومن خاف غير الله , خوفه الله من كل شي ء، ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء ، ماذا وجد من فقد الله ، وماذا فقد من وجد الله ، لا إله إلا الله ، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ( آل عمران:159 ) ،

كيف لا نتوكل على الله ونعتصم به ، ولقد أثنى الله تعالى على المؤمنين به ، المتوكلين عليه ، فقال جل شأنه : : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ( الأنفال:2 ) ، والتوكل فسره أهل العلم فقالوا: أن تفوض أمرك كله إلى الله ،

ويقول الشافعي:
صبرا جميلا فما أقرب الفرجا **من راقب الله في الأمور نجا
ومن صدق الله لم ينـــــله أذي **ومن رجاه يكون حيــث رجا

وليتأكد المؤمن أن كل كرب يمرّ به ، يعقبه فرج بإذن الله شريطة أن سلّم الأمر لله ، واعلم أن الخير كل الخير فيما يختاره الله تعالى لك ، فاختيار الله لنا أعظم وأفضل من اختيارنا لأنفسنا ، ولذلك صدق القائل :
لا تُدبِّر لك أمرا ***فأولو التدبير هلكى
سلم الأمر تجدنا ***نحن أولى بك منكا
وقيل :
سَلِّمَ الأَمْرَ لَهُ تَسْلَمْ فَكَمْ *** مِن فَتَى إِذْ سَلَّمَ الأَمْرَ سَلَكْ

سلم الأمر إلى مالــــكه * *واصطبر فالصبر عقباه الظفر
لا تكونن آيسا من فرج * *إنما الأيام تأتـــي بالعـــــــــــبر
كدر يحدث في وقت الصفا * وصفا يحدث في وقت الكدر
وإذا ما ساء دهر مــــــــرة * سر أهليه ومهمــــــا ساء سر
فارض عن ربك في أقداره * إنما أنت أســــــــــــــير للقدر

عليك أن تفوض الأمر لله ، وأن تسلم الأمر لله ، وإلا فمن أنت يا مسكين أمام قدرة ربك المطلقة ، أين أنت من جبروت ربك من سلطان ربك من سعة علم ربك ، أين أنت من رحمة بك العزيز الغفار ، أو ما علمت أن موسى عليه السلام , أتى إلى البحر والعدو من ورائه ( فرعون وجنوده ) ، ويلتفت بنو إسرائيل خلفهم فيروا جنود فرعون مقبلين ، فأدركوا أنهم هالكون لا محالة ، فماذا يصنعون ، دب الرعب والوجل في قلوبهم وارتعدت فرائصهم خوفا من فرعون وجنوده ، وهتفوا بموسى عليه السلام : يا موسى ما ذا نفعل إِنَّا لَمُدْرَكُونَ حتما ، قال تعالى : {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }( الشعراء :61 ) ، أي فلما رأى كل واحد من الفريقين الآخر قال أصحاب موسى : إنَّ جَمْعَ فرعون مُدْرِكنا ومهلكنا لا محالة ، فماذا حدث ، وماذا كان جواب موسى ، والله ما فكر لحظه ، ولا تردد لحظة ، ولا شعر بالخوف لحظة ، أنظروا إلى صنيع الإيمان في القلوب المؤمنة ، إن الإيمان إذا باشرت بشاشته شغاف القلوب يكاد يجعل المستحيل ممكنا ، والعجيب طبيعيا ، يكاد يجعل الماء الملح الأجاج عذبا فراتا سلسبيلا ، فماذا كان جواب موسى على الفور والقوم في خوف وهلع ورعب وهم يقولون إنا لمدركون ، قال موسى بيقين المؤمن ، وإيمان الموقن : { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } ( الشعراء:62 ) ، كلا ليس الأمر كما ذكرتم ، لسنا والله بهالكين ، وكيف يهلك من كان الله معه ، لا تراعوا فلن تُدْرَكوا ، إن معي ربي بالنصر، سيهديني لما فيه نجاتي ونجاتكم ، كلا إن معي ربي سيهدين ، الله أكبر ،

ولماذا نذهب بعيدا في أعماق التاريخ ، وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الغار ، ومعه صاحبه أبو بكر ، وأبو بكر ينظر إلى أعلى فيرى أقدام كفار قريش وهم يبحثون عنهما ، فيستولي الرعب والهلع على قلب أبي بكر خوفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينظر أبو بكر ويقول لرسول الله : لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ، وعلى الفور ودون تردد أو تفكير يعلنها محمد : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا ، فأنجاهما الله تعالى وارتد الكفار دون أن ينالوا منهما شيئا ، قال تعالى : {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ، إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ، إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ، فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى ، وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ، وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }( التوبة : 40 ) ، يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لا تنفروا معه أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم, وإن لا تنصروه ، فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بلده ( مكة ), وهو ثاني اثنين ( هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ) وألجؤوهما إلى نقب في جبل ثور " بمكة "، فمكثا فيه ثلاث ليال , إذ يقول لصاحبه ( أبي بكر ) لما رأى منه الخوف عليه : لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده وحمايته ورعايته , فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة , فأنجاه الله من عدوه وأذل الله أعداءه , وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمةُ الله هي العليا , وذلك بإعلاء شأن الإسلام ، والله عزيز في ملكه , حكيم في صنعه ، وتدبير شؤون عباده ، وفي هذه الآية منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ،

وكما رأينا موسى عليه السلام قال لبني إسرائيل عندما قالوا له إنا لمدركون : قال : كلا ، إن معي ربي سيهدين ،
وقال محمد صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبا بكر عندما قال له لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا قال له : لا تحزن إن الله معنا
وهنا لمحة عجيبة في الفرق بين ما قال موسى وما قال محمد
موسى قال ( إن معي ربي ) ، فقدم المعية على ذكر الرب : معي ربي ، ومحمد قال ( إن الله معنا ) فقدم لفظ الجلالة على المعية لتربية المهابة في القلوب ، وموسى قال معي ، ومحمد قال معنا ولم يقل معي لأن قلب أبي بكر كان عامرا بالإيمان والمحبة لله تعالى ، فكما أن الله تعالى مع سيدنا محمد ، فهو مع أبي بكر كذلك ، ولذل إسمع إلى إيمان الصديق واليقين الذي ملآ قلبه ، عندما قيل له بم عرفت ربك يا أبا بكر قال : عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي ، الله

والدرس الذي نخرج به من لقائنا هذا هو صدق اللجوء إلى الله والتوكل عليه والاعتصام به ،
لا تغرنكم قوة الآقوياء ، ولا طغيان الطغاة ، ولا جبروت الجبابرة ،
لا تهولنكم الأنظمة المسبدة المتسلطة , والكيانات الصادة عن منهج الله , ولو عظمتها أجهزة الإعلام , ولو ذكرت قواها , فإنها تبور ، ولا وزن لها أمام قوة الواحد الأحد ، فماذا تساوي أمام مالك الملك وملك الملوك ، فلنعتصم بالله ، ولنتوكل عليه ، وبه فلنستعين ،
تماما كما علمنا قائدنا ورائدنا ورسولنا ومعلمنا محمد بن عبد الله سيد المتوكين على الله المعتصمين به ،
ولذلك كلنا يعلم ما قاله حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عباس رضي الله عنهما وهو بعد غلام يافع يعلمه حقيقة الإيمان واليقين والثقة في الله ، فقال له : " يا غلام ألا أعلمك كلمات ، إحفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، الله أكبر ، أنظر كيف علمه وعلمنا ، لم يقل له إذا سألت فسلني ، أو استعن بي ، وإنما إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، ثم ماذا ..... و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، جفت الأقلام و رفعت الصحف (3) ،

ولقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله دعاء سيدنا موسى ابن عمران على نبينا وعليه الصلاة والسلام في طور سيناء يوم سجد لله رب الأرض والسماء ، وتضرع إلى ربه فقال : " اللهم إليك المشتكى , وأنت المستعان , وعليك التكلان , ولاحول ولا قوة إلا بك " ،
هكذا يكون الإيمان ،
اللهم إليك المشتكى : وأنت المستعان ، وبك المستغاث ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، فيامن ضاقت عليك الدنيا إلى من تشتكي ؟ ، إذا لم تشتكي إلى الله ، لتكن شكواك إلى الحي الذي لا يموت ، القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، فإن الشكوى إنما تكون إلى الله تعالى ،

ولذلك من أروع ما قرأت لابن القيم يرحمه الله قوله في كتابه البديع الفوائد (4) ، قرأت له كلمات في هذا المقام توزن بميزان الذهب الخالص ، قال : " الجاهل يشكو الله إلى الناس ، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه ، ( أي غاية الجهل بالله تعالى الذي يشكوه ، وغاية الجهل بالمخلوق الذي يشتكي إليه ) ، فإنه لو عرف ربه حقا لما شكاه ، ولو عرف الناس على حقيقتهم لما شكا إليهم ، ولقد رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فقره وفاقته وضرورته وحاجته ، فما كان منه إلا أن قال له معاتبا ، العالم قال للذي يشكو فقره للناس ، يا هذا والله ما زدتَ على أن شكوتَ من يرحمك ، إلى من لا يرحمك ، وفي ذلك قيل :
إذا شكوت إلى ابن آدم إنما **تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

ويقول ان القيم : والعارف إنما يشكو إلى الله وحده ، وأعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس ، فهو يشكو من موجِبات تسليط الناس عليه ، فهو ناظر إلى قوله تعالى {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }( الشورى : 30 ) ، وإلى قوله تعالى : {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً }( النساء : 79 ) ، وقوله تعالى : {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }( آل عمران : 165 ) ، فالمراتب ثلاثة : أخسها أن تشكو الله إلى خلقه ، وأعلاها أن تشكو نفسك إليه ، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه. انتهى كلام ابن القيم ،

وهكذا ينبغي أن نروض أنفسنا أن تكون شكوانا إلى الله تعالى ، ولقد صدق من قال :
لا تسألن بني آدم حــــــــاجة ** وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله ** وبني آدم حين بسأل يغضب

ولذلك علمنا القرآن كيف أن نبي الله يعقوب عليه السلام لما حزن على فراق يوسف عليه السلام حزنا شديد ، لما ذهب بصره و عاتبه ذويهم ، اذا قال : {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }( يوسف : 86 ) ، قال يعقوب مجيبًا لهم: لا أظهر همِّي وحزني إلا لله وحده, فهو كاشف الضرِّ والبلاء, وأعلم من رحمة الله وفرجه ما لا تعلمونه ، فحتى فى هذا الموضع ذكر الله و بين أن بكاءه ليس سخطاً و إنما هو تعبيراً مباحاً عن حزن القلب يخفف عن النفس كربها ، و فى ذات الوقت من أشكال التضرع و التذلل بين يدى الله طمعاً فى كرمه و منته و رحمته ، و بين أنه يفعل لعلمه بالله العظيم و أسماءه و صفاته ما لا يدركه غيره ، لقد حكى لنا القرآن الكريم هذا الموقف عندما عاد أبناؤه من مصر ولم يعد معهم أخوهم الصغير ، وبدلا من أنه كان قد فقد يوسف ، أصبح وقد فقد أخاه الأصغر ، ولما سألهم عنه قالوا إن ابنك سرق قال تعالى : { يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) ، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ ( أي عن أولاده لما أخبروه الخبر )وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (86) ( يوسف ) ،

وذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد أن موسى عليه السلام يوم أن كشف الغطاء عن البئر، وسقى لابنتي الرجل الصالح ، ماذا حدث : ( وهو ما حكاه القرآن الكريم ) قال تعالى : {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }( القصص : 24 ) سقى لهما ، وقضى حاجتهما ، ثم عاد إلى الظل قال : يا رب مريض فقير غريب جائع - موسى في هذا الحال والموقف ، كان فيه أربع صفات هي : أنه فقير، ومريض ، وجائع ، وغريب – فإلى من يذهب ، وإلى من يلجأ ، ومن يسأل ، لم يلجأ إلا إلى الله عز وجل ،

يارب مريض فقير غريب جائع ، فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى! الفقير من لم أكن أنا مغنيه ، والمريض من لم أكن أنا طبيبه ، والجائع من لم أكن أنا مطعمه ، والغريب من لم أكن أنا مؤنسه ،
فماذا حدث لموسى ، حكى القرآن ما حدث قال تعالى : { فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ{24} فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{25} قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ{26}( القصص : 24 – 26 ) ،

والحمد لله رب العالمين

======================
الهوامش :
(1) - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى : 463هـ) : " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " ، تحقيق : مصطفى بن أحمد العلوى و محمد عبد الكبير البكرى ، مؤسسة القرطبه ، ج 1 ، ص : 315 ، مصدر الكتاب : موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
(2) – الحديث عن البراء رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى فراشك فإن مت من ليلتك مت على الفطرة ، وإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرا ؟ تقول : اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري رغبة و رهبة إليك ، وألجأت ظهري إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت و بنبيك الذي أرسلت " ( قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2622 في صحيح الجامع ) ،
(3) - الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " يا غلام ! إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك جفت الأقلام و رفعت الصحف " ( قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7957 في صحيح الجامع ) ،
(4) - الإمام بن القيم : " الفوائد " ، دار ابن كثير، بيروت ، الطبعة رقم 1،2012 م ، ص : 87 – 88 ،



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

خطب الجمعة، القرآن، تأملات في القرآن، الإعجاز القرآني،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-01-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  محاضرة تمهيدية حول مقرر مجالات الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية لمرحلة الدراسات العليا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -44- الميثاق الاخلاقي للخدمة الإجتماعية Social Work Code Of Ethics
  وقفات مع سورة يوسف - 5 - المشهد الأول - رؤيا يوسف – أحد عشر كوكبا
  من روائع مالك بن نبي -1- الهدف أن نعلم الناس كيف يتحضرون
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -43- خدمة الجماعة المجتمعية : Community Group Work
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -42- مفهوم البحث المقترن بالإصلاح والفعل Action Research
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -41- مفهوم التقويم Evaluation
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -40- مفهوم التجسيد – تجسيد المشاعر Acting out
  نفحات ودروس قرآنية (7) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 7 ثمان آيات في سورة النساء ....
  نفحات ودروس قرآنية (6) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 6 ثمان آيات في سورة النساء .... أ
  من عيون التراث -1- كيف تعصى الله تعالى وانت من أنت وهو من هو من نصائح ابراهيم ابن ادهم رحمه الله
  وقفات مع سورة يوسف - 4 - أحسن القصص
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 5 ثمان آيات في سورة النساء ....
  طريقتنا في التفكير تحتاج إلى مراجعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -39 - الانتقائية النظرية في الخدمة الاجتماعية Eclecticism
  قرأت لك - 1 - من روائع الإمام الشافعي
  نماذج من الرعاية الاجتماعية في الإسلام – إنصاف المظلوم
  وقفات مع سورة يوسف - 3 - قرآنا عربيا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -38- مفهوم التقدير في التدخل المهني للخدمة الاجتماعية Assessment
  الشبكات الاجتماعية Social Network
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 4 ثمان آيات في سورة النساء ....
  وقفات مع سورة يوسف - 2 - تلك آيات الكتاب المبين - فضل القرآن الكريم
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -36- مفهوم جماعة النشاط Activity Group
  رؤية تحليلية مختصرة حول الإطار النظري للخدمة الاجتماعية (9)
  وقفات مع سورة يوسف - 1 - مع مطلع سورة يوسف " الر " والحروف المقطعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -35- مفهوم الهندسة الاجتماعية Social Engineering
  نفحات قرآنية ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة المحمدية 3 ثمان آيات في سورة النساء ....
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -34- مفهوم التثاقف – او المثاقفة - التثقف Acculturation
  من عجائب القران – نماذج وضاءة لجماليات الأخلاق القرآنية
  من عجائب القرآن الكريم والقرآن كله عجائب –1- الأمر بالعدل والندب إلى الاحسان والفضل في مجال المعاملات

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رحاب اسعد بيوض التميمي، صالح النعامي ، د. عبد الآله المالكي، سعود السبعاني، علي الكاش، عزيز العرباوي، أ.د. مصطفى رجب، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - المنجي الكعبي، فتحي الزغل، د - الضاوي خوالدية، د- محمد رحال، حميدة الطيلوش، سلوى المغربي، د. أحمد بشير، د. طارق عبد الحليم، رضا الدبّابي، د- هاني ابوالفتوح، أحمد ملحم، عبد الله زيدان، د - محمد بنيعيش، محمد شمام ، إياد محمود حسين ، حاتم الصولي، إيمى الأشقر، د. خالد الطراولي ، د - مصطفى فهمي، مصطفي زهران، د - عادل رضا، محمد يحي، رافع القارصي، محمد عمر غرس الله، رمضان حينوني، حسن الطرابلسي، محمود فاروق سيد شعبان، جاسم الرصيف، خالد الجاف ، محمود طرشوبي، ماهر عدنان قنديل، فوزي مسعود ، د - شاكر الحوكي ، د- جابر قميحة، ياسين أحمد، صفاء العراقي، د. أحمد محمد سليمان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عمار غيلوفي، فهمي شراب، عبد الله الفقير، علي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، مراد قميزة، محمد العيادي، محمد اسعد بيوض التميمي، الهادي المثلوثي، أنس الشابي، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد بوادي، تونسي، سلام الشماع، محمود سلطان، د - محمد بن موسى الشريف ، د. صلاح عودة الله ، كريم فارق، عمر غازي، مصطفى منيغ، محمد الياسين، نادية سعد، المولدي الفرجاني، أشرف إبراهيم حجاج، د - صالح المازقي، صلاح المختار، سامر أبو رمان ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد أحمد عزوز، فتحـي قاره بيبـان، عواطف منصور، سامح لطف الله، أحمد الحباسي، عبد الغني مزوز، محرر "بوابتي"، سليمان أحمد أبو ستة، صلاح الحريري، الناصر الرقيق، إسراء أبو رمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، يحيي البوليني، أبو سمية، حسني إبراهيم عبد العظيم، وائل بنجدو، طلال قسومي، أحمد النعيمي، عراق المطيري، كريم السليتي، محمد الطرابلسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، سفيان عبد الكافي، صباح الموسوي ، صفاء العربي، د.محمد فتحي عبد العال، منجي باكير، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رشيد السيد أحمد، عبد الرزاق قيراط ، رافد العزاوي، يزيد بن الحسين، فتحي العابد، الهيثم زعفان، العادل السمعلي، سيد السباعي، خبَّاب بن مروان الحمد، مجدى داود، د- محمود علي عريقات، حسن عثمان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة