تقويم تجربة برنامج الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء(7)
د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4931
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
خامسا : الخدمة الاجتماعية والمجتمع اليمني :
منذ الإعلان الرسمي للوحدة بين شطري اليمن في 22 مايو عام 1990م، تم الإندماج بين كل من الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية ليشكلا " الجمهورية اليمنية "، ولقد تطورت حياة الإنسان اليمني في إطار معطيات الواقع المتمثلة في الموقع الجغرافي الهام لليمن، والظروف الطبيعية والمناخية المتنوعة، وسيطرة أنظمة سياسية متباينة على أراضيه، وتواكب سلسلة متقطعة من الحروب أخذت أشكالا مختلفة، وبتوحيد اليمن شرعت الحكومة اليمنية باتخاذ خطوات هامة لمواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الواسعة الانتشار، ولا تخفي السلطات اليمنية معاناتها من التحديات التي تواجهها، وتبحث عن الإمكانيات الكافية لمكافحتها، كما وأنها تسعى لاستثمار خيرات اليمن الواعدة، حيث تتوفر فيه العديد من الثروات وبالذات في مجالات النفط والغاز والأسماك والثروات المعدنية المختلفة (1)
هذا ولقد مرت اليمن منذ توحيدها بثلاث مراحل أساسية : الأولى :شملت الأعوام 1990م – 1994م، وقد اتصفت بتراجع مستوى النشاط الاقتصادي وانخفاض النمو، أما المرحلة الثانية : فضمت الأعوام 1995م – 2000م، واتصفت بتحسن الأداء الاقتصادي وتحقق معدلات نمو جيدة، والمرحلة الثالثة فكانت في الأعوام 2001م – 2005 م، وركزت تلك المرحلة على التخفيف من الفقر، والحد من البطالة، وإصلاح الإدارة والحكم الجيد، والتوجه نحو اللامركزية المالية والإدارية، والالتزام بالشفافية، ومكافحة الفساد (2)
وفي إطار تلك التوجهات، وتحت تأثير العديد من المشكلات الاقتصادية والإجتماعية التي عانى منها المواطن اليمني، كان من الطبيعي أن تبرز الحاجة الماسة إلى الكوادر والتخصصات المهنية التي يمكنها أن تساهم في مواجهة تلك المشكلات، ومن هنا بدأ التفكير في مهنة الخدمة الاجتماعية التي أخذت مكانتها تتزايد في الدول العربية المجاورة للمجتمع اليمني كالمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، ودول الخليج، فضلا عن الدول العربية الأخرى،
ولقد تأخر دخول الخدمة الاجتماعية رسميا ( تعليما وممارسة ) إلى المجتمع اليمني كثيرا بالقياس إلى المجتمعات العربية الأخرى لظروف عديدة ليس هنا مجال سردها، وإن كان هذا لم يمنع من وجود بعض المحاولات التي استهدفت الإستفادة من الجهود المهنية للأخصائيين الاجتماعيين الذين تم استقدامهم من الدول الأخرى، إلى أن بدأ التفكير الجدي في إعداد الكوادر المهنية الوطنية في الخدمة الاجتماعية للعمل في مجالات الرعاية الاجتماعية والتنمية الاجتماعية في المجتمع اليمني، وهكذا وبموجب الإتفاقية الموقعة بين هيئة اليونسيف، وجامعة عدن، وجامعة حلوان بجمهورية مصر العربية، تم إنشاء " قسم الخدمة الاجتماعية " بجامعة عدن في العام الجامعي 2001/2002م، وبعدها بعامين تم توقيع الإتفاقية الأخرى بين هيئة اليونيسيف وجامعة صنعاء وجامعة حلوان بجمهورية مصر العربية وتم بموجبها إنشاء " شعبة الخدمة الاجتماعية " بقسم الإجتماع بكلية الآداب جامعة صنعاء، في العام الجامعي 2003/2004م، وكان مقررا أن تكون قسما مستقلا – كما هو الحال في جامعة عدن - إلا أنه ولظروف معينة لم يتسن وقتها إنشاء القسم، وتم الإكتفاء بتأسيس شعبة ملحقة بقسم الإجتماع، بحيث تكون الدراسة بالشعبة لمدة عامين تبدأ من العام الثالث بالقسم، وفي إطار هاتين الإتفاقيتين تم الإستعانة بعدد من الخبراء والأكاديميين المتخصصين في الخدمة الاجتماعية من جامعة حلوان بجمهورية مصر العربية للإضطلاع بمهمة تأسيس القسم والشعبة معا،
ان المجتمع اليمني كان وما يزال في مسيس الحاجة إلى الكوادر الفنية المتخصصة في مهنة الخدمة الاجتماعية، من أجل المساهمة في إحداث التغيير الاجتماعي المنشود والذي يتطلع إليه المجتمع اليمني ، والتعامل مع العديد من المشكلات والظواهر الإجتماعية والثقافية التي تحتاج إلى العديد من التخصصات العلمية والكوادر الفنية الممثلة للمهن الإنسانية المختلفة للتعامل معها – سواء كان ذلك على صعيد البحث والتقصي والدراسات العلمية الإمبيريقية لتلك المشكلات والظواهر واستقصاء درجة إنتشارها، والعوامل التي تضافرت وتسببت في ظهورها، وأعداد ونوعية وخصائص المتأثرين بها، والآثار المتربة عليها سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات المحلية أو المجتمع القومي ككل، واقتراح سبل المواجهة المهنية والتعامل بأسلوب علمي مع تلك المشكلات والظواهر، أو على مستوى وضع السياسات والبرامج والخطط والمشروعات للتدخل المهني في الواقع الميداني للتعامل مع تلك المشكلات والظواهر ومواجهتها أو التخفيف من حدة آثارها – ومن أمثلة تلك المشكلات والإحتياجات التي أظهرت الدراسات الإمبيريقية، وعكس الواقع الفعلي أهمية توافر كوادر مهنية متخصصة في الخدمة الاجتماعية للتعامل معها : مشكلات الشباب الجامعي، مشكلات التفكك الاسري والنزاعات الأسرية والزواجية، التسول، رعاية الفئات الخاصة والمعرضة للخطر كالطفولة والمرأة والمعاقين، وكبار السن، مشكلات الفقر والبطالة، والمناطق العشوائية، والفئات المهمشة، والممارسات وكذلك العديد من الظواهر الجديدة التي بدأت تطل برأسها على مجتمعاتنا العربية عامة والمجتمع اليمني خاصة ، كالزواج العرفي، والفساد المالي والإداري، وانحرافات الشباب، وأساءة استعمال المنتجات التكنولوجية الحديثة كالهاتف النقال، والكمبيوتر، والإنترنت، وقنوات البث الفضائي، ومشكلات المخدرات والإدمان 0000الخ، هذا فضلا عن الحاجة الماسة لتلك الكوادر من أجل دعم وتفعيل العمل الأهلي والتطوعي في خدمة المجتمع وتحقيق التنمية المنشودة، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص في التنمية الشاملة المستدامة بوجه عام والتنمية الاجتماعية بوجه خاص، خاصة وأن الخدمة الإجتماعية كمهنة إنسانية تتعامل مع الإنسان من أجل المساهمة في إشباع احتياجاته المختلفة والمتنوعة والمتجددة، والتعامل مع المشكلات التي يواجهها، وتنمية طاقاته وقدراته وملكاته وإمكاناته المختلفة من أجل أن يكون مواطنا صالحا يتحلى بصفات المواطنة الصالحة كالانتماء والولاء للمجتمع، والشعور بالمسؤلية الإجتماعية، واكتساب مهارات القيادة والتبعية، والمساهمة مع التخصصات الأخرى في العمل على تحسين نوعية الحياة للمواطن اليمني،
وهكذا جاء الدور - متأخرا - على المجتمع اليمني للإستفادة من الجهود المهنية للخدمة الاجتماعية، حيث تعتبر تلك المهنة حديثة جدا في المجتمع اليمني بالقياس لغيره من المجتمعات العربية فضلا عن المجتمعات الغربية، ففي حين بدأت الخدمة الاجتماعية في المجتمع المصري – كما سبقت الإشارة - في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وفي المملكة العربية السعودية في نهاية السبعينات من نفس القرن، نجد أن الخدمة الاجتماعية في المجتمع اليمني لم تبدأ خطواتها الأولى إلآ منذ سنوات قلائل منذ بدايات القرن الحالي ( القرن الواحد والعشرين ) .
والامر الجدير بالاشارة والتأكيد هنا أن عالم اليوم – وكما نعلم - يمر بالعديد من التغيرات الإجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والتكنولوجية، والتي لها انعكاساتها الهامة والخطيرة على وضعية الإنسان في شتى مراحل حياته من ناحية، وعلى كافة جوانب الحياة الإنسانية والنظم الاجتماعية في المجتمع ، وما ظاهرة العولمة Globalization Phenomenon، وثورة الإتصالات والمعلومات Information & Communication Revolution، وتحول العالم الى قرية صغيرة ( القرية الكونية )، والتهديد الواضح الذي تواجهه الثقافات المحلية والهوية العربية والإسلامية من الثقافة الغالبة، الى غير ذلك 0000 إلا مجرد نماذج لتلك التغيرات والظواهر التي تجتاح عالم اليوم، والتي تؤكد ما ذهبنا إليه من الحاجة الماسة للمهن الإنسانية المتخصصة للتعامل مع تداعيات تلك التغييرات وآثارها وحماية وتحصين الإنسان والمجتمع من آثارها السلبية، والاستفادة من جوانبها الإيجابية قدر الإمكان لصالح الإنسان ولصالح المجتمع في ذات الوقت .
من أجل ذلك كله - وغيره كثير مما لم تسمح بذكره مقتضيات هذه الورقة – يكون من نافلة القول التأكيد على أهمية وضرورة ومحورية الدور الذي يمكن أن تلعبه مهنة الخدمة الاجتماعية – لا بمفردها وإنما بالتعاون مع غيرها من التخصصات العلمية ومهن المساعدة الإنسانية - حاليا وفي المستقبل القريب والبعيد - في العمل الدؤوب على تحقيق الأهداف والغايات التي يطمح المجتمع اليمني إلى تحقيقها من أجل رفاهية المواطن والمجتمع، وتحسين نوعية الحياة فيه ومواكبة التغيرات العصرية،
يتبـــــــع
***************
المصادر :
======
(1) – التقرير النهائي لحلقة الحوار حول مسودة التقرير المقدم من " الإسكوا " لحكومة الجمهورية اليمنية بعنوان : " نحو سياسة متكاملة للتنمية المجتمعية في الجمهورية اليمنية "، في الفترة من 9 – 10 يونيو 2007م، عمان، المملكة الأردنية الهاشمية،
(2) – اليمن مسيرة (15) عام، ج3، التطور الاقتصادي، ص :112،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: