تقويم تجربة برنامج الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء(3)
د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5183
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ونتيجة للتطورات المتوالية التي لحقت بمنظومة الخدمة الاجتماعية Social Work System في العقود الأخيرة – تنظيرا وتعليما وممارسة - ونتيجة للعديد من التغيرات السريعة ( في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية والتكنولوجية ...... ) التي ميزت عالمنا المعاصر، أصبحت الخدمة الاجتماعية أكثر ارتباطا – عن ذي قبل - بإحداث التغييرات الإجتماعية المخططة والمطلوبة لصالح سعادة ورفاهية الإنسان والمجتمع على حد سواء، بحيث أصبح يطلق على الأخصائي الإجتماعي في الغرب مصطلح : " المغير الإجتماعي " Social Change Agent، كما أضحت المهنة أكثر إرتباطا بقضايا ومشكلات التنمية بوجه عام، والتنمية الإنسانية والمستدامة بوجه خاص، وهكذا لعبت عدة عوامل دورا هاما فيما لحق بالممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية من تطورات وتغيرات حتى تتمكن من مواكبة المتطلبات والاحتياجات الجديدة، ولعل أهم تلك العوامل يتمثل في تطورات وتعقد الحياة الإنسانية والمجتمع الإنساني، والتقدم الذي أحرزته العلوم الإجتماعية والإنسانية والسلوكية، وازدياد الحاجة إلى التدخل العلمي للإسهام في تحقيق معدلات عالية من الرفاهية الإجتماعية للإنسان المعاصر (1)،
ولهذا يرى " هاري سبكت " Harry Specht (2) أن ثمة عوامل ثلاثة كان لها تأثيرها الواضح على وضعية الخدمة الاجتماعية – وخصوصا خلال فترة الستينات من القرن العشرين – تتلخص فيما يلي :
- العامل الأول والذي أدى إلى ازدياد خصوبة الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية بعد منتصف القرن العشرين تمثل في تطور نظريات السلوك الإنساني Human Behaviour Theories في مجال علم النفس، وعلم السياسة، والأنثروبولوجيا، ونظريات المنظمات، ونماذج تحليل السياسات الاجتماعية،
- أما العامل الثاني فتمثل في ظهور ما يعرف بـ " الحقوق المدنية " في عقد الستينيات في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظهرت القوى الاجتماعية من خلال نضالها المستمر ضد الفقر والعوز والتمييز العنصري، كما ظهرت حركات التغيير الاجتماعي من جانب المرأة والطلاب والجماعات الدينية والعرقية التي تعاني الفقر والحرمان والتهميش، وكذا ظهور قضايا سياسية واقتصادية متعددة مثل ما يتعلق بالتجارب الذرية والحروب وتوزيع الثروة وحماية المستهلك، وأمام هذه الأضواء المبهرة الناتجة عن انفجار تلك القضايا الساخنة، أصبحت قضية الإصلاح الإجتماعي، والتي كانت تحتل مكانة تاريخية في العمل المهني في الخدمة الاجتماعية، أصبحت بالنسبة إلى تلك التغيرات والتحولات السريعة باهتة وهزيلة،
- أما العامل الثالث والأخير فتمثل في أن الخدمات الاجتماعية أصبحت في ذاتها قوة اجتماعية كبيرة، وتحظى بانفاق كبير، وأصبحت تحتل جزءا كبيرا في إدارة تلك الخدمات والمنظمات التي أصبحت نظاما اجتماعيا ثابتا،
وخلاصة القول أننا يمكن أن نوجز ما تناولناه فيما سبق في عدة نقط فيما يلي :
- أن الرعاية الاجتماعية في مراحل تطورها عبر التاريخ الإنساني، تمثل البذور الأولى لمهنة الخدمة الإجتماعية التي اعتبرت فيما بعد إحدى الأدوات والآلات الهامة لتحقيق الرعاية الاجتماعية،
- أن الخدمة الاجتماعية كمهنة (واختراع مجتمعي) مهنة غربية النشأة والتكوين والنمو والتطور، متأثرة بظروفه التاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، ثم انتقلت المهنة من مجتمع"المنشأ" إلى كافة المجتمعات الأخرى تقريباً سواء المتقدمة منها أو النامية، ضمن عملية " الانتشار الثقافي " (3) Cultural Diffusion تلبية لحاجة المجتمعات الإنسانية عموماً إلى جهود المهنة ووظائفها ودورها الحيوي مع الإنسان أياً كان وحيثما كان وفي شتى صور تواجده في الحياة(فرداً كان أو عضواً في جماعة أو مواطناً في مجتمع محلي أو قومي).
- وتضطلع الخدمة الإجتماعية اليوم بالعديد من المهام والمسؤوليات والأدوار في مجالات الرعاية الاجتماعية الحديثة، والتنمية الاجتماعية وكلاهما يمثل الميدان الرئيسي لعمل الخدمة الاجتماعية، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشتى مجالات الحياة الإنسانية من رعاية الأسرة والطفولة والأمومة، ورعاية الأحداث، ورعاية الموهوبين والمتفوقين، والممارسة المهنية في المجال التعليمي، والطبي، والسجون، وتنمية المجتمعات الريفية والحضرية والبدوية والمستحدثة... ومجالات البيئة، والسياحة، والعلاقات العامة، والمجال العمالي والصناعي، ............. وغيرها من المجالات القائمة أو التي يمكن استحداثها تباعاً طبقاً لظروف المجتمع الذي تمارس فيه.
- تعتبر التجربة المصرية في الخدمة الاجتماعية تجربة رائدة في الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث تعتبر مصر أول دولة تعتمد تعليم وممارسة الخدمة الاجتماعية منذ أواسط العقد الرابع من القرن العشرين، ومن مصر انتقلت المهنة إلى أغلب المجتمعات العربية وبعض الدول الأفريقية، وكان للأكاديميين والممارسين المصريين دورهم الهام في تعليم وممارسة الخدمة الاجتماعية في تلك المجتمعات، وتفاوتت الدول العربية في هذا الصدد فمنها من بكر بنقل المهنة واعتمادها ومنها من تأخر في ذلك، ولعل آخر مجتمع عربي دخلته الخدمة الاجتماعية هو المجتمع اليمني، حيث بدأ ذلك في العام الجامعي 2001/2002م،
(يتبع )
============
الحواشي والمصادر :
============
(1) – محمد احمد عبد الهادي : " الخدمة الاجتماعية الإسلامية "، مكتبة وهبة، القاهرة، 1988م، ص : 10
(2) – Hsrry Specht & Anne Bickery , eds. ; " Integrating Social Work Methods " , ( London, Greorge Allen Unwin , 1977, p : 23
(3) - الإنتشار الثقافى Cultural Diffusion مصطلح يشير الى ذلك المظهر من التغير الثقافى الذى يتم عن طريق الإتصال الثقافى Cultural Communication ويشمل إنتقال الوسائل الفنية والإتجاهات والأفكار، ووجهات النظر من شعب إلى آخر، بغض النظر عما إذا تم ذلك عن طريق فرد واحد أو جماعة من الأفراد، وما إذا كان الإتصال مؤقت أو مستمر، وهكذا عن طريق "الإنتشار الثقافى "يمكن لاختراع معين ظهر فى مجتمع ما أن ينتقل إلى مجتمع آخر مغاير له، وهكذا يمكن أن ينتشر حتى يشمل البشرية كلها أو أغلبها، وهو ما حدث بالنسبة للخدمة الإجتماعية كمهنة حديثة .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: