البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"دون كيشوت" التونسي

كاتب المقال فتحي العابد - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8207


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لو استطلعنا الرأي العام التونسي الثقافي اليوم، حول الفكرة التي توختها بعض المسامير الصدئة في الإتحاد العام التونسي للشغل، أو بالأحرى أعداء تونس، والمبنية على التحريض والمظاهرات لإسقاط الحكومة الحالية الشرعية، أو تعطيلها، مستعينين بإعلام التسول، المخادع المتحيل، خاصة في الفترة الأخيرة مع الظروف المناخية القاسية في الشمال الغربي، لوجدنا أن الرواية التي يتمنى المثقفون التونسيون أن يطبع آلاف النسخ منها، وتوزع مجانا على امتداد تونس، من أجل النهوض بالوعي الوطني والحس القومي ضد يتامى فرنسا من ديوك اليسار، لكانت رواية "دون كيشوت".

هؤلاء الـ"دون كيشوتيون" الموجودون داخل الإتحاد، الذين يظنون أنهم هم الفرسان الأوائل في الزمن الغابر، وأن الناس ستعجب بهم وبصفاتهم وبطولاتهم الفذة، وتتعلق بهم وبزمانهم أشد التعلق، إلا أنهم في الواقع لا يمتلكون مواهب ومقومات شخصية الفرسان الذين صنعوا تاريخ الإتحاد العام التونسي للشغل من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن زمن الفروسية بالصورة العنجهية التي حاولوا تمريرها للشعب قد إنقضت وولت مع بن علي.. فكانت كل محاولاتهم المتكررة للعب دور الفارس الفريد والبطل المجيد في الواقع الجديد للناس تثير الضحك والإستهجان العام، خصوصا مشهدهم وهم يلبسون دروع الدفاع عن الطبقة الشغيلة، ويمتطون حصان المنظمة الهزيل الذي يكاد يسقط مغشيا عليه من شدة الأعياء، جارين خلفهم خدمهم المساكين من أصحاب الصفر على اليسار، الذين ينغزون ذاك الحمار الأجرب!.. مصرين على موقفهم المثالي وحلمهم الطوباوي معتقدين في أنفسهم لأنفسهم بأنفسهم أنهم أبطال، وأنهم رسل العناية التاريخية لبعث قيم وتقاليد الفروسية بصورتها القديمة في العالم من جديد!..

هؤلاء المساكين الواهمون وهم يهذون ويجرون ويصولون ويجولون بين القنوات والإذاعات، أو المنابر التي لايحضر لها إلا بضع عشرات، ظلوا مأسورين لأوهامهم الكبيرة وأحلامهم الغريرة يقاتلون طواحين هواء من اختارهم الشعب متخيلين إياهم فلول الأعداء، محاولين أن يثبتوا للناس بأنهم فرسان زمانهم، وأبطاله الوحيدين لينتهوا بصدمتهم الكبيرة بالواقع الحقيقي..
ينطبق عليهم:
يا راكب الجحش المطرز بالحصان*** هدئ من خبط الحوافر فأنت في تونس الثورة
تنساب كل يوم تبحث عن عدو*** تختال على جحش مبحوحِ الصوت مزركش الجنبات
مزروع بالوهم والخيلاء فلا *** العدو يأتي.. ولا تقتل الكلمات

لو قرئنا تاريخنا كما يجب لوجدنا أن كل من انتحل من أبناء جلدتنا شخصية دون كيشوت، لم يجني سوى المغامرات الزائفة.. والخيال الجامح الذي يؤدي إلى سلسلة من المفارقات المضحكة.. حتى أن الدون كيشوتية، أمست عندنا تعني الذهنية التي أفسدتها المثالية الموغلة في البعد عن الواقع كما يقول الباحث علي الخليلي. التي أعتقد أنها تتوافق مع الغباء والتخلف، وربما مع الجنون.
هذا التشائم الذي نراه أحيانا في تصريحات بعض من اختيروا للدلو بدلوهم سواء على القنوات أو على بعض الصفحات، في عمل الحكومة الجديدة، ترفضه إرادة النهوض الثقافي ببلادنا تونس. والغريب أن هؤلاء الجبناء لم يسمع بهم أحد في عهد النظام السابق وظهرت بطولاتهم فقط بعد الثورة.

يبدو أننا نعيش في مسرح اللامعقول أو مسرح العبث. هذا الذي يجري على الساحة التونسية اليوم لا يمكن تفسيره بالمنطق أو بالعقل. هل من الممكن أن بضعة من أبناء تونس يبذلون قصارى جهدهم من أجل هدم تونس، وجعل كل شيء فيها خرابا. ليس هناك إنتاج، وليست هناك سياحة، وهناك استثمارات قديمة هربت، والمستثمرون الجدد خائفون من الوضع الأمني الغير مستقر.. يحدث هذا كله في تونس التي ينتظر انطلاقتها العالم أجمع وليس الأشقاء والأصدقاء فقط.. رغم الكثير من بوادر النهوض التي أراها يوما بعد يوم في بلادي، ولملمة الجراح والإنطلاق نحو المستقبل الزاهر بإذن الله.

اليوم هناك قوى تقف بالمرصاد لإنطلاق نهوضنا ومحاولة إجهاضه بشتى الطرق، وهي محاولة بائسة لتحطيم هذا النهوض تحت واقع المرحلة الراهنة، ولذلك نرفضه. وهنا أطرح سؤال: ماذا يفعل الرفض كي يتحول إلى فعل على الأرض؟

حسب اعتقادي الرفض يفشل هذه المحاولات، وهو يرى ويلاحظ في الشارع التونسي وعند أغلب المثقفين، ومعاده إلى التجذر الذي حصل في وعي الجماهير، وفي نشاطها، وإلى تصميمها وعدم مساومتها في كنس بقايا نظام العهر والعري، وهو معطى وسّع حالة العجز في صفوف جبهة قوى هاته الثورة المضادة، ولفيف واسع من القوى الإنتهازية، التي تدور في فلك شظايا أحزاب من بقايا نظام بن علي، وحلفائه الإمبرياليين الذين يظهروا علينا كل يوم بفزاعة جديدة.

أظن أن هذا الإستطلاع المتخيل الذي بدأنا به حديثنا لو وقع حقا، والذي يقارب الخيال فيه سقف الوهم في سياق الواقع الذي يصدر عنه، وهو يفتقر إلى الخيال في الأساس، سيخرج بنتيجة واحدة واقعية جدا، ذات قوة واقعية مسيطرة إلى حد مقاربة الحقيقة التي لا تحتاج إلى مساءلة، هي رواية دون كيشوت.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الإنتخابات، الإتحاد العام اللتونسي للشغل،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-02-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  بيع الجمل ياعلي
  الهدهد واللقاء الأول
  البغولية
  ابني بدأ يكبر
  ثروة العقول
  حتى لا ننسى..
  الدعوشة إعاقة ذهنية
  الجدية قيمة مفقودة في تونس
  بومباي Pompei عبرة التاريخ
  معنوية النضال
  علاقة النهضة بمنزل حشاد
  حنبعل القائد العظيم
   زرادشتية حزب الله
  بناء الإنسان
  تجديد الفهم الديني
  منزل حشاد
  لطفي العبدلي مثال الإنحدار الأخلاقي
  النهضة بين الفاعل والمفعول به
  حركة النهضة بين شرعية الحكم ومشرعتها الشعبية
  التمرد على اللغة العربية في تونس
  قرية ساراشينسكو “Saracinesco” صفحة من الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيطالية
  هروب المغترب التونسي من واقعه
  سياسة إيران الإستفزازية
  محاصرة الدعاة والأئمة في تونس
  المعارضة الإنكشارية في تونس
  حجية الحج لوالديا هذا العام
  إعلام الغربان
  المسيرة المظفرة للمرأة التونسية عبر التاريخ
  رسالة إلى الشيخ راشد الغنوشي
  الدستور.. المستحيل ليس تونسيا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي عبد العال، حميدة الطيلوش، وائل بنجدو، رضا الدبّابي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سيد السباعي، محمد العيادي، عبد الله الفقير، د. خالد الطراولي ، محمد الياسين، محمود فاروق سيد شعبان، محرر "بوابتي"، كريم فارق، د. أحمد بشير، إياد محمود حسين ، عبد الرزاق قيراط ، أبو سمية، نادية سعد، رشيد السيد أحمد، صلاح الحريري، د- هاني ابوالفتوح، الهيثم زعفان، سفيان عبد الكافي، ماهر عدنان قنديل، محمد يحي، د. مصطفى يوسف اللداوي، خبَّاب بن مروان الحمد، كريم السليتي، د - مصطفى فهمي، د- محمود علي عريقات، سلام الشماع، حسن الطرابلسي، مجدى داود، سليمان أحمد أبو ستة، حاتم الصولي، د. عبد الآله المالكي، حسني إبراهيم عبد العظيم، العادل السمعلي، خالد الجاف ، سامح لطف الله، الناصر الرقيق، صفاء العراقي، د.محمد فتحي عبد العال، أنس الشابي، أشرف إبراهيم حجاج، مصطفي زهران، صالح النعامي ، عمار غيلوفي، د. أحمد محمد سليمان، إسراء أبو رمان، صباح الموسوي ، تونسي، فتحي الزغل، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - المنجي الكعبي، يزيد بن الحسين، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، سعود السبعاني، محمد أحمد عزوز، د - صالح المازقي، عزيز العرباوي، يحيي البوليني، د. صلاح عودة الله ، محمود سلطان، صفاء العربي، منجي باكير، أحمد الحباسي، عواطف منصور، فوزي مسعود ، طلال قسومي، د - شاكر الحوكي ، حسن عثمان، أحمد ملحم، أ.د. مصطفى رجب، محمد الطرابلسي، محمد عمر غرس الله، مصطفى منيغ، عبد الله زيدان، سلوى المغربي، محمود طرشوبي، سامر أبو رمان ، رافع القارصي، مراد قميزة، الهادي المثلوثي، ضحى عبد الرحمن، د - عادل رضا، د- جابر قميحة، فتحـي قاره بيبـان، د- محمد رحال، د - محمد بنيعيش، جاسم الرصيف، د - الضاوي خوالدية، المولدي الفرجاني، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد اسعد بيوض التميمي، عمر غازي، فتحي العابد، فهمي شراب، إيمى الأشقر، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بوادي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، علي الكاش، صلاح المختار، ياسين أحمد، أحمد النعيمي، عراق المطيري، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الغني مزوز، رافد العزاوي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد شمام ، رمضان حينوني،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة