(189) مانفيستو كُتّاب المارينز: الليبراليون العرب الجدد
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6957
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الصدام مع الليبراليين – كما يقول الدكتور محمد محمد حسين- أمرٌ طبيعي، وضروري لسلامة المجتمع، وإن كان هناك ضحايا لهذا الصدام، فإنَّ محصلتَه النهائية النفعُ والخير لهذه الأمَّة.
الحرية عند الليبراليين هى المبدأ والمنتهى، وهى الباعث والهدف، وهى الأصل وهى النتيجة فى حياة الإنسان. الفرد فى الليبرالية هو سيد هذا الكون، ومن ثم فإن الليبرالية تدعو إلى تحرره من كل أنواع السيطرة والإكراه الداخلى أو الخارجى، وتعطه الحق والحرية فى اختيار أسلوب الحياة الذى يناسبه،وأن يتصرف وفق ما يمليه عليه قانون النفس ورغباتها. (1)
وبعيدًا عن اختلاف الموسوعات، والمعاجِم، والقواميس في تعريفِ وتحديدِ المقصود بـ"الليبراليين"، فإنَّ المفكِّرين الإسلاميِّين انتهَوْا إلى تعريف محدَّد وواضح لهذه الفِئة من الناس، يصف هذا التعريف الليبراليِّين بأنهم:
"جيش جرَّار من العملاء، مُدَمَّرُ الظاهر والباطن، لا يستطيع أن يدرك حقيقةَ التلف الذي وقع في بنائه وتكوينه، يُعِدُّ نفسه لقيادة هذه الأمَّة، متوهمًا أنه يفكر لها، ويعمل على إصلاحها والنهوض بها، إنَّه جيل يتمثَّل في صورة أساتذة، وفلاسفة، ودكاترة، وباحثين، وأحيانًا كتَّاب، وشعراء، وفنانين، وصحفيِّين، يحملون أسماءً إسلامية.
يقوم هذا الجيش بمهمَّة خَلْخلة العقيدة في النفوس بشتَّى الأساليب، في صورة بحث وعلم، وأدب وفن وصحافة، وتوهين قواعد هذه العقيدة مِن الأساس، والتهوين مِن شأن العقيدة والشريعة على السواء، وتأويلها وتحميلها ما لا تُطيق، والدق المتَّصل على رجعيتها، والدعوة للتفلُّتِ منها، وإبعادها عن مجالات الحياة، وابتداع تصوُّرات، ومُثُل، وقواعد للشُّعور والسلوك، تناقض وتحطِّم أسس العقيدة ذاتها، كما تقوم بتزيين تلك التصوُّرات المبتدعة بقَدْر تشويه أمور العقيدة، كما تقوم بالدعوة إلى إطلاق الشهوات، وسَحْق القاعدة الخُلُقية التي تقوم عليها هذه العقيدة، بالإضافة إلى تشويه التاريخ، وتشويه النصوص".
هناك سِمتان أساسيتان يصِف بهما هذا التعريف حقيقةَ الليبراليِّين:
السمة الأولى: عداؤهم للشريعة وللمنادين بتطبيقها.
والسمة الثانية: عمالتهم لأعداء هذه الشريعة في الغَرْب الذين يصفونها: بـ"القسوة والوحشية، والعنصرية والبربرية،واستعْباد المرأة، والانتقاص مِن قدْرها، وضرْب الزوجات، وزواج الأطفال، وعدم التسامح مع غير المسلمين، ورفْض حرية العقيدة وحرية التعبير..... ورفْض الشذوذ الجنسي، ورفض أي هجوم على الإسلام، أو حتى الارتداد عنه لِمَن دخَل فيه".(2)
يقول "شاكر النابلسى" : "ظهر التيار الليبرالي العربي أو التيار العقلاني التنويري في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على أيدي جيلين من المفكرين التنويريين. يمثل الجيل الأول : جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبي،وشبلي شميّل، وفرح أنطون، وغيرهم. ويمثل الجيل الثاني الذى ظهر في بداية القرن العشرين : طه حسين، وقاسم أمين، ومحمد حسن الزيات، وتوفيق الحكيم، ومحمد حسين هيكل وغيرهم. وهؤلاء جميعاً يمثلون تيارا فكريا وسياسيا واحدا".
دعا هؤلاء جميعا إلى حرية الفكر المطلقة، وحرية المرأة ومساواتها بالحقوق والواجبات مع الرجل، وحرية التدين المطلقة، والإصلاح الدينى، وفصل الدين عن الدولة، واخضاع المقدس والتراث للنقد العلمي.
ثم ظهر جيل آخر من الليبراليين العرب مدعما لمطالب سابقيه ومضيفا إليها المناداة بإقامة المجتمع المدنى، مع احياء دعوة الاصلاح الديني والتأكيد على العلمانية، وفصل الدين عن الدولة من جديد.
وفي نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، وبعد الحادى عشر من سبتمبر 2001 على وجه الخصوص، ظهر جيل جديد من الليبراليين يسمى بـ "الليبراليين الجدد". تبنوا كل المطالب السابقة وأضافوا إليها ما يمكن اعتباره مسودة أولى لبيان أو لـ "مانيفستو الليبراليين الجدد ".
يطالب الليبراليون الجدد ويؤكدون فى هذا البيان على الآتى :
1- إصلاح التعليم الدينى الذى يسمونه بالظلامى ومحاربة ما يسمونه بالإرهاب.
2- تأكيد اخضاع المقدس والتراث والتشريع والقيم الأخلاقية للنقد العميق.
3- عدم الإقرار بموقف القرآن من الكافرين وأهل الكتاب والمنافقين.
4- رفض اعتبار أن الكمال موجود فى الماضى، ومن ثم رفض الولاء له مطلقا والدعوة إلى إعادة النظر في قيم هذا الماضي، وضرورة خلق المستقبل الذي هو لبّ الحداثة.
5- الفصل بين الدين كما جاء به الرسل، وبين أحكام الفقهاء التى اشتقوها منه أصلا، واعتبار أن ما جاءوا به يقف حجر عثرة أمام الفكر الحر وتطوره، كما يقف حجر عثرة أمام ميلاد الفكر العلمي.
6- اعتبار الأحكام الشرعية أحكاماً وضعت لزمانها ومكانها، وليست أحكاماً دائمة وخاصة فيما يتعلق بحجاب المرأة، وميراثها وشهادتها. ومن ثم المطالبة بمساواة المرأة مع الرجل مساواة تامة في الحقوق والواجبات والعمل والتعليم والإرث والشهادة. والدعوة إلى تبنّي مجلة الأحوال الشخصية التونسية التي صدرت 1957 والتي يعتبرونها النموذج العربي الأمثل لتحرير المرأة العربية،
7- رفض فتاوى وأفكارعلماء وشيوخ الإسلام مثل ابن تيمية والسيوطي وابن القيم الجوزية وغيرهم، ورفض موقف هؤلاء العلماء من الفلسفة والمنطق وعلم الكلام وتحريمهم للموسيقا والغناء والنحت والرسم والشعر، وكافة ما يسمونه بأشكال الفنون الإنسانية الرفيعة. لأنها كما يرون بوابة من الحاضر إلى المستقبل.
8- الدعوة إلى التخلى عن اعتبار السلف الصالح هو المثل الأعلى واعتبار أن السير على خطاهم تخيلاًً، ومكابرة، واستعلاء، وانتفاخاً كانتفاخ الطواويس.ولهذا ينادون بما يسمونه " تحرير النفس العربية من ماضيها، ومن حكم الأسلاف الذين ما زالوا يحكمون من قبورهم".
9- عدم ادّعاء المعرفة المطلقة والأحكام النهائية. وأن لا وجود لعلم مطلق، وضرورة ما يسمونه بـ "الانفتاح على الحقيقة ".
وعلى المستوى السياسى يرى الليبراليون العرب الجدد :
1- عدم الحرج من الاستعانة بالقوى الخارجية لدحر الديكتاتورية العاتية واستئصال جرثومة الاستبداد وتطبيق الديمقراطية العربية، في ظل عجز النخب الداخلية والأحزاب الهشة عن دحر تلك الديكتاتورية وتطبيق تلك الديمقراطية. ويرون أن هذه ليست سوابق تاريخية فقد استعانت أوروبا بأمريكا لدحر النازية والفاشية والعسكرتاريا اليابانية في الحرب العالمية الثانية، وقامت أمريكا بتحرير أوروبا، كما قامت بتحرير الكويت والعراق.
2- لا حرج من أن يأتي الإصلاح من الخارج، ولكن بالطرق الديبلوماسية، والمهم أن يأتي سواء أتى على ظهر جمل عربي، أو على ظهر دبابة بريطانية أو بارجة أمريكية أو غواصة فرنسية.
3- الايمان بأن لا حلَّ للصراع العربي مع الآخرين سواء في فلسطين أو خارجها إلا بالحوار والمفاوضات والحل السلمي في ظل عدم تكافؤ موازين القوى العسكرية والعلمية والاقتصادية والعقلية بين العرب وأعدائهم.
4- الايمان بالتطبيع السياسي والثقافي مع الأعداء (إسرائيل)، والاعتراف بالواقعية السياسية وما يجرى على أرض الواقع العربي السياسي، وعدم دفن الرؤوس في رمال الصحاري العربية التى يصفونها بالمحرقة والمهلكة. واعتبار أن التطبيع والتلاقح بين الشعوب والثقافات هو الطريق إلى السلام الدائم في الشرق الأوسط. ويرون أيضا أن اتفاقيات السلام كاتفاقية كامب ديفيد 1979، واتفاقية اوسلو 1993، واتفاقية وادي عربة 1994 يجب أن تصبح اتفاقيات شعبية بين الشعوب، بدلاً من أن تكون اتفاقيات دول فقط، ولا علاقة للشعوب بها. فذلك فى نظرهم ضياع للوقت وللمصالح وتزوير للحقائق السياسية القائمة على أرض الواقع سواء رفضنا أم قبلنا. وأن نفور الانتلجنسيا العربية الممزقة من جهة والرثة من جهة أخرى من التطبيع، لن يلغي احتمالات السلام الحتمية في المنطقة، والذي هو السبيل الي التغيير الشامل.
5- الوقوف إلى جانب العولمة وتأييدها، باعتبارها أحد الطرق الموصلة إلى الحداثة الاقتصادية العربية التي يمكن أن تقود إلى الحداثة السياسية والثقافية. (3)
لاإله إلا الله، والله أكبر. كم هدمت هذه المعاول من معاقل الإيمان، وتثلمت بها حصون حقائق السنة والقرآن، فكشف عورات هؤلاء، وبيان فضائحهم من أفضل الجهاد فى سبيل الله. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت :" إن روح القدس معك مادمت تنافح عن رسوله ". (4)
المصادر :
(1) وليد بن صالح الرميزان، الليبرالية فى السعودية والخليج،دراسة وصفية نقدية، روافد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان 1430هـ —2009م.
(2) انظر مقالات : أحمد إبراهيم خضر بموقع بوابتى تونس، الليبراليون عدو قديم: معاد للشريعة، وللإسلاميِّين، وللأنظمة، قراءة في تقرير قدَّمه الليبراليون للأمريكيِّين. الليبراليون العرب الجدد، الحداثة مخرج اليهود إإلى ما يسمى بالإسلام المعتدل.
(3) شاكر النابلسى، من هم الليبراليون العرب الجدد، وما هو خطابهم؟ الليبراليون العرب هل هم حقاً ليبراليون؟الحوار المتمدن - العدد: 873 - 2004 / 6 / 23 - 06:05
www.saaid.net/mktarat/almani/53.htm -
(4) ابن القيم الجوزية، مختصر الصواعق المرسلة على الجهكمية والمعطلة، شرح وتحقيق رضوان جامع رضوان، دار الفكر،بيروت 1997 ص 78
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: