(149) ليبيا والغرب: صراع على النفط أم على السيطرة المصرفية
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5841
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
فى الرابع عشر من شهر أبريل الحالى 2011 كتبت " إيلين براون " مقالة بعنوان " ليبيا : صراع من أجل النفط أم على السيطرة المصرفية "، تظهر فيها بوضوح أصابع المصارف الاحتكارية الدولية فى أحداث ليبيا.
وتعمل " براون " كمدع عام قانونى، فى مجال رفع الدعاوى القانونية المدنية فى لوس انجلوس، وهى مهتمة بالعالم الثالث ومشاكله، عاشت خارج بلادها أحد عشر عاما تنقلت فيها بين كينيا، وهندوراس، وجواتيمالا، ونيكاراجوا، ثم عادت إلى الولايات المتحدة لممارسة القانون . وتشغل " براون " منصب رئيس مؤسسة البنوك العامة. ألفت أحد عشر كتابا، ومن أحدث كتبها " الطب الممنوع " الذى تتبعت فيه محاولات القضاء على العلاج الصحى الطبيعى لصالح أصحاب النفوذ المالى الفاسدين من صناع الأدوية. وهى معروفة بانتقاداتها الحادة لسيطرة احتكارات الكارتلات العالمية، وكيف أن هذه المصارف الاحتكارية الخاصة قد اغتصبت سلطة الشعوب على أموالها للاستيلاء عليه، والكيفية التى تستطيع بها هذه الشعوب استعادة سلطتها على أموالها مرة ثانية. (1)
شغلت أحداث ليبيا اهتمامات "براون"، فكتبت فى مقالتها سالفة الذكر تقول :
" ظاهرة غريبة لفتت أنظار العديد من الكتاب الذين يتابعون مجريات الأحداث فى ليبيا، وهى أن الثوار الليبيين أنشأوا بنكا مركزيا خاصا بهم. والغريب فى الأمر هو أن هذا البنك قد أنشئ قبل أن يؤسس الثوار لأنفسهم حكومة. وقد دفع هذا الأمر "روبرت وينزل" أن يكتب فى مجلة السياسة الاقتصادية :" أنا لم أسمع من قبل، أن يُؤسسَ بنك مركزى بعد بضعة أسابيع فقط من قيام انتفاضة شعبية، إن هذا يعنى أننا لسنا نتعامل فى هذه الانتفاضة مع مجرد مجموعة من المتمردين، إنما هناك عوامل أكثر تعقيدا تلعب دورا فى هذه الانتفاضة".
وكتب " إليكس نيومان" يقول : " أن الثوار الليبيين قد صرحوا فى الأسبوع المنصرم عقب اجتماع عقدوه فى التاسع عشر من مارس أنهم أسسوا بنكا مركزيا يرعى السياسة النقدية فى ليبيا، رئاسته المؤقته فى بنغازى ". اقتبس " نيومان" مقولة " جون كارنى" فى الـ "CNN " التى يقول فيها :" أن هذه أول مرة نرى فيها جماعة ثورية تؤسس بنكا مركزيا وهى لا تزال فى قتال مع السلطة المركزية القوية، إن هذا يعنى أن هناك دورا خاصا للمصارف المركزية العالمية غير العادية تلعبه فى عصرنا هذا".
البعض يفسر التدخل الغربى فى ليبيا بأنه يدور حول النفط. لكن هذه النظرية تعتبر مشكلة فى حد ذاتها، لإن ليبيا تنتج فقط 2% من انتاج النفط العالمى. وتستطيع السعودية باحتياطياتها الوفيرة أن تعوض أى نقص فى الانتاج فى حالة اختفاء النفط الليبى. وإذا افترضنا جدلا أن الصراع يدور حول النفط الليبى، سيكون السؤال هنا لماذا هذا التسارع نحو تأسيس بنك مركزى.
تقول "براون " : " لنعد إلى الوراء قليلا. هناك القليل من المعلومات "المستفزة" التى نشرت على شبكة الإنترنت فى عام 2007 بموقع " الديموقراطية الآن". يقول الجنرال الأمريكى المتقاعد " ويسلى كلارك " :" بعد عشرة أيام فقط من أحداث الحادى عشر من سبتمبر قال لى أحد الجنرالات أن قرارا بالحرب ضد العراق قد اتخذ. فوجئ " كلارك" بما قاله الجنرال، وسأله : لماذا؟، فأجاب : لا أعرف. بعد ذلك قال نفس الجنرال : " أنه تقرر اجتياح سبع دول فى غضون خمس سنوات. هذه البلدان هى : العراق وسوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان وإيران ". السؤال هنا هو : ماهو هذا الشيئ المشترك الذى يجمع هذه الدول السبع ؟ ".
تبين لـ "براون" انه ليست هناك واحدة من هذه الدول السبع مدرجة فى قائمة عضوية الستة وخمسين مصرفا المدرجة فى منظمة التسويات الدولية BIS. (2) وهذا يعنى أنها بعيدة أن تطولها قواعد الذراع الطويل المطبقة على المصارف المركزية الخاضعة لهذه المنظمة فى سويسرا. كانت العراق وليبيا أكثر هذه الدول بعدا عن هذا الزراع الطويل لمنظمة التسويات الدولية، ولهذا كانتا أول دولتين تعرضتا للتدخل العسكرى.
لفت انتباه "براون" ما لاحظه وكتبه " كينيث سكورتجن " فى موقع " Examiner.com " قبل ستة أشهر من التحرك الأمريكى للإطاحة بـ"صدام حسين" من أن الدول النفطية كانت قد تحركت نحو استبدال الدولار باليورو فى التعاملات النفطية مما كان يشكل تهديدا للدولار كعملة احتياطية وكعملة أجنبية تتعامل بها الدول النفطية.
كما لفت انتباهها أيضا ماجاء فى أحد المقالات الروسية بعنوان : " ضرب ليبيا بالقنابل : عقاب للقذافى لمحاولته رفض الدولار". تقول المقالة : " أن القذافى اتخذ خطوة جريئة، الغرض منها رفض الدولار واليورو واستخدام عملة بديلة وهى " الدينار الذهبى " مما أثار حنق الغرب. دعا "القذافى" الدول العربية والأفريقية لاستخدام هذه العملة البديلة، وقال أن هناك مائتى مليون فرد سوف يستخدمون هذه العملة إذا ما تمت الموافقة عليها، وهذا يكون أحد سبل تأسيس قارة أفريقية موحدة. لقيت الفكرة استحسانا من الدول العربية، والكثير من الدول الأفريقية ماعدا جنوب أفريقيا والأمين العام لجامعة الدول العربية. رفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى الفكرة، وقال "ساركوزى" : " إن ليبيا تمثل تهديدا للأمن المالى للبشرية جمعاء ". لم يتنازل " القذافى" عن الفكرة، واستمر فى مسعاه نحو " أفريقيا موحدة".
ربطت "براون" بين هذه الفكرة وما تسميه بلغز قرار الثوار الليبيين بتأسيس مصرف مركزى ليبى مستندة إلى ماجاء فى مقالة لـ " إيريك إنسينا " عن " وحى السوق " يقول فيها : " هناك حقيقة قلما يشير إليها الإعلام والسياسيون الغربيون وهى أن المصرف المركزى الليبى مملوك للدولة بنسبة مائة فى المائة. وهذا يعنى أن الحكومة الليبية تملك تماما نقدها الخاص بها من الدينار الليبى عبر مواقع مصرفها المركزى الخاص. وهذا حقها كدولة ذات سيادة لها مصادرها الكبرى ولديها القدرة على تعزيز نظامها الاقتصادى الخاص بها، وهذا أمر لا يعترف به إلا القلة. هذا الأمر يتسبب فى مشكلة كبيرة للمصارف الاحتكارية الكبرى عند التعامل مع ليبيا، فهى إن أرادت أن تنفذ أعمالا فى ليبيا عليها أن تذهب إلى المصرف المركزى الليبى وعليها أن تتعامل مع العملة المحلية الليبية. وهذا يعنى أن هذه المصارف الاحتكارية الكبرى لا سيطرة لها ولا نفوذ تبسطه على المصارف الليبية. من هنا كان ضرب البنك المركزى الليبى التابع للدولة أمرا فى غاية الأهمية للدول الاستعمارية الكبرى. لكن هذا لا يظهر فى تصريحات "أوباما" أو "ساركوزى" أو "كاميرون " بالرغم من أنه من المؤكد أن هذا الأمر يأتى فى قمة الأجندة العالمية لإخضاع ليبيا وضمها إلى سلة الأمم التابعة.
تقول " براون " : "من المهم أن نعرف الآتى :
1- أن قواعد مصرف التسويات الدولية تخدم فى الأصل نظم المصارف الدولية الخاصة حتى ولو تسبب ذلك فى تعريض الاقتصاديات الوطنية للخطر.
2- أن الدور الذى يلعبه مصرف التسويات الدولية بالنسبة للمصارف الوطنية هو نفس الدور الذى يلعبه صندوق النقد الدولى بالنسبة للأنظمة الاقتصادية الوطنية أى أن الأمر فى النهاية ليس فى صالح الاقتصاد الوطنى.
3- نظام الاستثمار الأجنبى المباشر FDI [foreign direct investment] يتعامل بالعملات الأجنبية، ويجعل الدفع بالفائدة بالدولار، ومن ثم لا يضيف إلا القليل للاقتصاديات الوطنية.
4- ان تطبيق نظرية الدولة فى النظام النقدى يعنى أن كل دولة تستطيع أن تمول مشروعاتها التنموية بعملتها الخاصة وبذلك ستحافظ على عمالة كاملة دون حدوث تضخم. وتعنى هذه النظرية ببساطة أن التمويل المالى سيكون هنا من قِبَل الحكومة الوطنية، وليس من البنوك الأجنبية الخاصة. والقول بأن الاقتراض من البنك المركزى الحكومى سوف يؤدى الى التضخم بينما لن يحدث ذلك اذا كان الاقتراض من البنوك الدولية أو صندوق النقد الدولى قول ليس فى مكانه ذلك لأن الاقتراض من المصرف المركزى الحكومى يحقق ميزة هامة وهى أنه خال من الفائدة وهذا يؤدى إلى تخفيض تكلفة المشروعات العامة بنسبة 50%.
5- ان التدقيق فى الكيفية التى تعمل بها شبكة النقد الليبية يبين أن وظيفة البنك المركزى الليبى هو إصدار وتنظيم الورق النقدى والعملات المعدنية وإدارة وإصدار مختلف أنواع القروض للدولة، كما أن المصرف المركزى الذى تملكه الدولة بالكلية يمكنه أن يصدر العملة المحلية ويقرضها لأغراض التنمية فى الدولة. هذا الأمر يشرح لنا من أين تمول ليبيا تكلفة التعليم المجانى والرعاية الصحية لشعبها، ومن أين تقدم لكل عروسين إعانة تصل إلى خمسين ألف دولارا، وكيف تعطى الدولة قروضا بلا فائدة، ومن أين وجدت ليبيا ثلاثة وثلاثين بليون دولارا لبناء مشروع النهر العظيم، وقلق ليبيا من أن غارات الناتو تعرض خط أنابيب النهر للخطر مما قد يتسبب فى كارثة إنسانية جديدة.
6- قد يقول البعض : ليس لكل الدول من النفط ما تملكه ليبيا، الواقع هو أن التكنولوجيات الحديثة تتطور بسرعة بحيث يمكن أن تجعل الدول الغير منتجة للنفط مستقلة فى مسألة الطاقة، خاصة إذا كان تمويل البنية التحتية يتم عبر مصرف الدولة المملوك لها. وهذا يعنى أن الاستقلال بالطاقة قد يمكن الحكومات من الخروج من قبضة المصارف الدولية والخضوع لسيطرة المقرضين.
الخلاصة أنه إذا تساءلنا ماهى أسباب التدخل الغربى فى ليبيا ؟ هل هى حرب من أجل النفط، أو من أجل ضرب المصرف المركزى الليبى أو لغير ذلك من الأسباب ؟. كل ذلك ممكن لكن الأهم هنا هو ان الخطط الليبية لتطوير البنية التحتية للبلاد تهدف إلى تحرير ليبيا من قبضة المقرضين الأجانب وهذا هو التهديد الحقيقى الذى تمثله ليبيا. وهذا هو النموذج الذى تقدمه للعالم وتوضح له مالذى يمكن أن يفعله. وهذا هو مكمن الخطر الذى يهدد المصالح الغربية.
تقول " براون " علينا أن ننتظر هل ستؤدى الإطاحة بالقذافى إلى دخول المصرف المركزى الليبى تحت عباءة مصرف التسويات الدولية، وهل ستباع صناعة النفط القومية للمستثمرين الأجانب، وهل ستظل الخدمات الصحية والتعليمية مجانية. فإذا تغير كل ذلك، سنفهم لماذا ضربت ليبيا. (3)
نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية
المصادر
1- Ellen Brown Web of Debt - How Banks And The Federal Reserve Are Bankrupting
www.webofdebt.com/
(2) مصرف التسويات الدولية Bank for International Settlements (BIS)، مقره فى "بازل" بـ "سويسرا. تأسس بمقتضى اتفاقية لاهاى فى عام 1930. وهو منظمة دولية للمصارف المركزية تعمل على تقوية التعاون المالي والتمويلي العالميين، وتعمل كمصرف للمصارف المركزية ". ولا يخضع هذا المصرف للمساءلة أمام أي حكومة. ويقوم بأعماله من خلال لجان فرعية، والأمانات (سكرتاريات) التي تستضيفها، وعبر لقائها العام السنوي لجميع الأعضاء. ويؤدي المصرف أيضاً خدمات مصرفية للمصارف المركزية فقط، أو للمنظمات الدولية مثله. www.marefa.org/index.php/ بنك_التسويات_الدولية
3- Ellen Brown, Libya: All About Oil, or All About Banking?
Global Research, April 14, 2011
www.globalresearch.ca/index.php?context=va&aid=24306
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: