البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

بين مقاصد الشريعة ومقاصد النفوس

كاتب المقال فهد بن صالح العجلان   
 المشاهدات: 5003



(نحن بحاجة إلى إعادة النظر في هذا الحكم حسب المقاصد الشرعية) و (لا بد من مراعاة المقاصد الشرعية عندما نتحدث عن هذه القضية).وعبارات أخرى مختلفة، ستسمعها – ولا بد – عند أي رؤية منحرفة تتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية؛ فعامة الانحراف المعاصر حين يتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية الجزئية فإنه لا بد - في سياق تجاوزه لأي حكم وإنكاره له - أن يرفع لافتة (المقاصد الشرعية) كتصريح شرعي للمارسات غير الشرعية.

المقاصد الشرعية التي كتب فيها فقهاء الإسلام بدءاً من الجويني والغزالي والعز بن عبد السلام والقرافي وشيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي تختلف اختلافاً تاماً عن هذه المقاصد التي يُشِيع كثير من الناس الحديث فيها؛ فالمقاصد عند فقهاء الإسلام قواعد كلية مستخرَجة من استقراء كلي لكافة النصوص والأحكام الجزئية، ولا يصح أن يُردَّ بها أيُّ حكم أو نص جزئي، بخلاف هذه المقاصد التي تترِجم المقاصدَ التي تريدها (نفوسهم) وتميل إليها (اختياراتهم) ويسعون من خلالها لرد جملة من النصوص والأحكام غير المرغوب فيها.

من أهم قواعد المقاصد الشرعية أن لا يُردَّ بها أي حكم جزئي، فإذا ثبت نص شرعي أو حكم فقهي فلا يجوز أن يُنقَض ويُتجاوَز بدعوى أنه مخالف لقاعدة مقاصدية؛ فهذا باطل لا علاقة له بعلم المقاصد (فإن ما يخرم قاعدة شرعية أو حكماً شرعياً ليس بحق في نفسه)[1].

وإذا كانت المقاصد الشرعية تقوم على ضرورة اعتبار (الكليات) فإنها تقوم على اعتبار الجزئيات كذلك (كما أن من أخذ بالجزئي مُعرِضَاً عن كليِّه فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي مُعرِضَاً عن جزئيِّه)[2].
فالمقاصد الشرعية تعتمد على تفاصيل الأحكام الجزئية، تقوم عليها، ولا تنكرها، بل حتى ولو وُجِد تعارض بين قاعدة مقاصدية وحكم جزئي تفصيلي فإن المنهج الصحيح في ذلك ليس إنكار الجزئي بل (إذا ثبت بالاستقراء قاعدة كلية ثم أتى النص على جزئي يخالف القاعدة بوجه من وجوه المخالفة فلا بد من الجمع في النظر بينهما)[3].

فإذا وصل الأمر إلى حصــول تعــارض بيــن (الكليــات) و (الفروع) فهذا يستدعي الجمع بينهما لأهمية كلٍّ من الكليات والفروع التفصيلية، وهو شيء لا يفهمه (مقاصديو النفوس)؛ حيث ينكرون النصوص والأحكام الشرعية ثم يبحثون بعد هذا عن الطريقة المقاصدية المناسبة لرفض مثل هذه الأحكام!
لقد كان الشاطبي مدركاً غاية الإدراك خطورة استعمال المقاصد من غير المؤهلين، ولأجله منعهم من موافقاته وجعلهم في حرج من قراءته أو الاستفادة منه: (لا يُسمَح للناظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظرَ مفيدٍ أو مستفيدٍ حتى يكون ريَّان من علم الشريعة؛ أصولها وفروعها، معقولها ومنقولها)[4].
كما أطال الحديث عن ضرورة العناية بالجزئيات، وأن المقاصد لا تقوم إلا عليها، وهذا كله لإدراكه أن طبيعة المقاصد وما فيها من كليات عامة يستدعي دخولَ غير المؤهلين واستغلالَ بعض المنحرفين، وهو ما يؤدي إلى تعطيل الشريعة، وهذا ما دعا بعض المنحرفين الذين يفهمون حقيقة المقاصد الشرعية أن يسمي المقاصد بأنها (تبرير) للأحكام الشرعية ليس إلا، وقد صدق؛ فالمقاصد ليست إلا بحثاًَ عن (فلسفة) لقواعد وعلل للشريعة من خلال الأحكام والنصوص، فإذا وُجِد نص مخالف فإن المقاصد تعدَّل في (الفلسفة) حتى تدخل هذا الحكم لا أن تلغيه لمخالفته للمقاصد.

إن دعوتهم للأخذ بالمقاصد لإسقاط بعض الأحكام الشرعية يؤدي إلى نسف الشريعة بكاملها، وتعطيل كافة أحكامها، وإسقاط قطعياتها وضرورياتها، وليس عسيراً على أي أحد أن ينفي أي حكم شرعي ويربط ذلك بمقاصد عُليَا، وقد مارس المعاصرون في ذلك من ألوان العدوان على الأحكام الشرعية ما لا يحصيه إلا الله؛ فـ (الحدود الشرعية) منافية لمقصد الشريعة في الرحمة وإشاعة الأمن و (حد الردة) منافٍ لمقصد الشريعة في التسـامح والحــرية و (الحجاب) منافٍ لتكريم المرأة و (كل فتوى بتحريم أي حكم) تنافي مقصد الشريعة في التيسير ورفع الحرج و (الحكم بكفر من لم يؤمن برسالة محمد #) يتعارض مع مقصد إرساله رحمة للعالمين و (حرمة الربا) أو (منع المحرمات) يؤدي إلى حصول حرج ومشقة تنافي مقصد الشريعة

ولأجل ذلك كان شيخ الإسلام ابن تيمية بصيراً بأمر عموميات المقاصد حين قال: (فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عــــدلاً من غير اتباع لما أنـــــزل الله فهو كافر)[5]. فهذه المقاصد الكلية تتسم بالعمومية المطلقة التي يشترك فيها عامة الناس، فاختصاص الشريعة إنما يكون بتفصيل هذه المقاصد وشرحها وتقييدها فإذا ألغى الإنسان الاعتبار بها لم يكن قد أخذ من الشريعة بشيء.

وهكذا تغيب أحكام الشريعة الجزئية، بسبب مخالفتها لمقاصد (النفوس) - كما يسميها بعض الفضلاء - فهي مقاصد لما تريده نفوسهم وأهواؤهم وما يتوافق مع شهواتهم جعلوها قواعد كلية تحاكَم إليها النصوص والأحكام الفقهية، وتلك (النفوس) تكاد تُحصَر مقاصدها في الجانب الدنيوي المحض، وهو ما يختلف تماماً عن المقاصد الشرعية المستفادة من نصوص الكتاب والسُّنة التي تدلك على أن (الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية)[6].

بل إن المصـالح الدنيـوية تابعة للمصـالح الأخروية؛ فـ (المصالح المجتلَبة شرعاً والمفاسد المستدفَعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها العادية)[7].

وإذا كانت إشاعة علم المقاصد الشرعية ضروريةً في مرحلةٍ ما لشيوع التعصب والجهل والتضييق على الناس، فإن المبالغة فـــي تـقرير المقـاصد الشرعية وإشاعتها وتعظيم قدرها وضــــرورتها عند عامة الناس - وقد اختلف الحال - سيكون على حساب تعظيم النص الشرعي والانقياد له، وسيكون سبباً لظهور مقاصد النفوس لتُشِيع عبثَها وانحرافَها بدعوى (مقاصد الشريعة).


________________________________________
[1] الموافقات للشاطبي: 2/556.
[2] الموافقات: 3/8.
[3] الموافقات: 3/9.
[4] الموافقات: 1/78.
[5] منهاج السنة النبوية: 5/130.
[6] الموافقات: 2/350.
[7] الموافقات: 2/351.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

مقاصد الشريعة، الشاطبي، القراءة المقاصدية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 16-06-2011   موقع البيان http://www.albayan.co.uk

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمود فاروق سيد شعبان، سامح لطف الله، جاسم الرصيف، فتحي العابد، فتحـي قاره بيبـان، يحيي البوليني، رافد العزاوي، أحمد الحباسي، إسراء أبو رمان، طلال قسومي، الهادي المثلوثي، محمد الياسين، د - شاكر الحوكي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، نادية سعد، سيد السباعي، رافع القارصي، سعود السبعاني، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د- جابر قميحة، محمد العيادي، عزيز العرباوي، المولدي الفرجاني، د - محمد بن موسى الشريف ، د - الضاوي خوالدية، إيمى الأشقر، صالح النعامي ، حاتم الصولي، محرر "بوابتي"، مراد قميزة، كريم فارق، د. أحمد بشير، رحاب اسعد بيوض التميمي، سلوى المغربي، محمود طرشوبي، فهمي شراب، ماهر عدنان قنديل، أحمد ملحم، أحمد بوادي، عبد الغني مزوز، مصطفي زهران، علي عبد العال، د. طارق عبد الحليم، سلام الشماع، سفيان عبد الكافي، علي الكاش، أ.د. مصطفى رجب، د. صلاح عودة الله ، خالد الجاف ، منجي باكير، حسن عثمان، مصطفى منيغ، ضحى عبد الرحمن، عبد الرزاق قيراط ، عبد الله زيدان، محمد اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، الهيثم زعفان، محمد الطرابلسي، تونسي، عمار غيلوفي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. عادل محمد عايش الأسطل، عواطف منصور، د - المنجي الكعبي، حسن الطرابلسي، صلاح المختار، ياسين أحمد، خبَّاب بن مروان الحمد، وائل بنجدو، عراق المطيري، د - مصطفى فهمي، محمد أحمد عزوز، محمد شمام ، مجدى داود، صباح الموسوي ، إياد محمود حسين ، صفاء العربي، د - صالح المازقي، محمد يحي، عمر غازي، عبد الله الفقير، صفاء العراقي، فوزي مسعود ، العادل السمعلي، كريم السليتي، سليمان أحمد أبو ستة، أنس الشابي، رضا الدبّابي، سامر أبو رمان ، أبو سمية، د- محمود علي عريقات، محمود سلطان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. عبد الآله المالكي، فتحي الزغل، يزيد بن الحسين، محمد عمر غرس الله، رمضان حينوني، د. مصطفى يوسف اللداوي، صلاح الحريري، حسني إبراهيم عبد العظيم، رشيد السيد أحمد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الناصر الرقيق، د. أحمد محمد سليمان، د- محمد رحال، د. خالد الطراولي ، أحمد النعيمي، د.محمد فتحي عبد العال، د - عادل رضا، حميدة الطيلوش، د- هاني ابوالفتوح، د - محمد بنيعيش،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة