البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

العلمانيون في تونس : بين التخبط و الانتهازية

كاتب المقال شاكر الحوكي    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 10267


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لا احد يستطيع أن يدعي أن الذين ساهموا فعليا في الإطاحة بنظام "بن علي" كانوا يطالبون بصياغة جديدة لعلاقة الدين بالدولة.
من هنا فكل من يحاول هذه الأيام طرح إشكالية العلمانية في تونس و أمور أخرى لها صلة بالموضوع و منها المساواة في الميراث المغلفة بشعار المساواة التامة ، إنما يحاول أن يركب فعلا على الأحداث و يستغل الفراغ الموجود، و هم في ذلك ليسوا اقل انتهازية من كل أولائك الذين حاولوا في الأسابيع الأخيرة السطو على الأملاك العامة و الخاصة و المطالبة بزيادة الأجور ، و كل أولائك الذين ظهروا فجأة على مسرح الأحداث و أمام الإعلام يرتزقون من عبث الأيام ، مصطنعين لأنفسهم أمجادا مفتعلة و مفتعلين بطولة مزيفة.

إذ أن مثل هذه الفعاليات لن يكون لها من معنى سوى ضرب الاستقرار و إثارة البلبلة و الخوف، و استفزاز الجمهور و الابتعاد بعيدا عن كل ما خرج من اجله الناس و طالبوا به و استدراج الإسلاميين و أتباعهم إلى السقوط في أخطاء خطيرة قد تعود بنا إلى المربع الأول، أي بداية التسعينات من القرن الماضي، و كأن 23 سنة من الاستبداد لم تكن كافية لتعلم الدرس و استخلاص العبر .

لو كانت حقوق المرأة مضطهدة أو في طريقها للاضطهاد أو كان وضع حقوق الإنسان في المسائل ذات الصلة بالدين مهددة و متخلفة، لامكن تفهم أن ينتفض الجميع في محاولة للتصدي إلى ما من شانه أن يقلب الأوضاع رأسا على عقب ، و لكن كل هذا غير مطروح في الوقت الحالي و مستبعد الطرح على المدى القريب و البعيد، و قد أكدت حركة النهضة على تمسكها بمجلة الأحوال الشخصية، و الحرية الفردية، و حرية المرآة ، فلماذا الإصرار على استفزاز الناس البسطاء في قناعاتهم. هم لا يفهمون معنى العلمانية و لن يتعاملوا معها إلا بحذر و ريبة بوصفها فيروس يجب محاربتها و مقاومتها، لاسيما و أن الأمر يتعلق بمفهوم غريب، ملتبس، غامض و دخيل على "ثقافتهم".

اخطر ما في الأمر أن يساهموا هؤلاء من حيث لا يشعرون ليس فقط في تقوية المواقف المضادة منهم، و لكن في تشويه و ضرب أصحاب المشروع العلماني في العالم العربي و في تونس بما هو مشروع حضاري يقوم على تخليص الفرد من الوصاية و إعمال العقل بشكل مستقل و على التعقل و التدرج و الموضوعية بعيدا عن الاستفزاز و الانتهازية.

لو كانت هذه الأطراف قد ساهمت و عملت اعتمادا على شعاراتها اللائيكية على الإطاحة "ببن علي" ، كنا فهمنا ذلك، و لكن هذه الأطراف ليس فقط لم تشارك في الإطاحة "ببن علي" بل و ساعدته على الاستمرار في الحكم وان تشيّد لنفسها، و على مدى أكثر من عقدين، موقعا متميزا بوصفها جدار برلين ضد التطرف و الإرهاب و الخطر الإسلامي، و في كل الأحوال ظلت مطالبها محتشمة و تعمل ضمن الأفق الذي وضعه نظام الطاغية، و ليس صدفة أن نرى هذه الأطراف ، بما فيها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ترحب بنوايا الرئيس المخلوع التي وردت في خطابه الأخير الرامية إلى تدشين مرحلة جديدة،و كانت على استعداد أن تواصل مسيرة النضال معه .

موضوع العلمانية ربما كان محقا لاسيما عند العديد من النخب و الأحزاب و الأساتذة و لكنها تحتاج فعلا إلى وقت و إلى نقاشات و حوارات في جو يسوده الاستقرار و الهدوء، لاسيما و أن هذه المسألة مغلوطة على أكثر من مستوى بسبب غياب شروطها الفعلية و الموضوعية. إذ ليس في تونس كما هو معلوم تنوعا طائفيا أو دينيا أو عرقيا أو حتى مسارا تاريخيا يحتم علينا أن ننتهي إلى العلمانية. كل ما هو مطلوب هو ضمان حق الناس في الحياة دون أي شكل من أشكال الإكراه أو الضغط أو الرقابة. و هنا لسنا نرى في الإسلام عائقا موضوعيا أمام حرية الأفراد، أليست حضارة الإسلام هي من قدمت و اعترفت، بشكل أو بآخر، بكل أنواع الفرق و الديانات و الطوائف و الملل و النحل وكل أنواع السلوكيات. ثم متى كانت العلمانية شرطا مطلقا لحرية الأفراد و الجماعات. أليست فرنسا العلمانية هي من تمنع اليوم النقاب و الحجاب و بناء المآذن و تعمل على منع إلقاء الخطب الجمعية بالعربية، و كل ذلك في خرق واضح للعهود الدولية التي تقر أن حرية الدين، حرية مطلقة.

ثم من قال أن العلمانية في تونس هي فكرة واحدة و موحدة حتى تفرض نفسها بشكل موحد. أليس في العلمانية علمانيات ، علمانية ايجابية و علمانية سلبية . الأولى تسمح بفتح المجال العام أمام مشاركة الجميع دون استثناء بمن فيهم الإسلاميين على أن تكون الدولة و أجهزتها محايدة حيادا تاما حتى تتوفر كل شروط المعركة السياسية الخالصة و من ثم تقبل نتائجها بشجاعة، و الثانية تعتبر العلمانية الطريق الملكي لإقصاء العدو اللدود ألا وهو الإسلاميين بكل الوسائل الممكنة و العمل على تطهير الفضاء العام من المتحجبات و الملتحين و حتى المساجد.

ثم أليس هناك علمانية غربية بتفرعاتها الفرنسية و الانجليزية، و علمانية عربية ببعديها النظري و التطبيقي، و بين كل هذه الأبعاد للعلمانية اختلافات جوهرية ما يسمح بتحالف بعض التيارات العلمانية مع الإسلاميين ، وتحالف البعض الآخر مع الأبعاد الإيديولوجية الفرنسية و حتى الصهيونية .

أليست هناك علمانية تنطق و تعبر بلغة فولتير و تعمل ضمن أفق الاستعمار الفرنسي، بينما علمانية أخرى تكتب بالعربية و تعمل ضمن الأفق العربي و حتى الوحدة العربية و ما بين المشروعين مسافة كبيرة.

ثم من قال إن الإسلاميين كلهم ضد العلمانية حتى تشن الحرب عليهم بصفتهم تلك، أليس في الإسلاميين علمانيون و يساريون و قوميون و أمميون و قاعد يون و سلفيون ، و حتى من يعمل ضمن الأفق الفرنسي المستعمر و إن يكن دون قصد.

إذا المسألة معقدة و لا تطرح برفع الشعارات، و لا تحل بنقاشات عرضية و عابرة، و نوايا مبيتة، و حسابات انتخابية مسبقة . و بصراحة إذا ما ورطت هذه النخب مجددا البلاد و العباد في مرحلة استبدادية جديدة ، فإنها ستتحمل مسؤولية خياراتها و قد تضع شرعية وجودها محل نظر و مراجعة لمرة و إلى للأبد، و عندها لن نذرف الدموع و لن نقدم العزاء لأحد.


شاكر الحوكي


باحث في العلوم السياسية
و أستاذ قانون عام بكلية الحقوق و العلوم الاقتصادية و السياسية بسوسة


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، تغريب، الحداثة، الغرب، التبعية، غزو فكري، إسلاميون، الوحدة العربية، العلمانية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 10-03-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  ألغاز "القصر" وفضائح "القصبة" لماذا لم يتم نشر قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في الرائد الرسمي؟
  رسالة مفتوحة للرئيس السابق زين العابدين بن علي (*)
  و هذا نداء تونس
  الرد المفحم عن السؤال المبهم : هل تنتهي شرعية المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر ؟
  مسودة الدستور: بين مكامن النقصان و تحقيق شروط الإتقان
  تونس و سوريا: الشعب و النخب و الطاغية الأسد
  في ذكرى وفاته: درويش، ذاك... الأنا
  تأملات في واقع المجتمع التونسي اليوم
  الدولة، النخب و التحديات: قراءة في الماضي و الحاضر و المستقبل
  "العهد الجمهوري" في تونس : ماهو فعلي و ما هو مفتعل
  نظرية التحول الديمقراطي و مصير النخب السياسية
  النظام السياسي في تونس على مفترق الطرق، و سوء الفهم سيد الموقف
  تونس و الثورة: من في خدمة من ؟
  العلمانيون في تونس : بين التخبط و الانتهازية
  عندما تصبح "الجزيرة" في مرمى "حنبعل": تطمس الحقائق و تحل الأكاذيب
  الشعوب العربية مدانة أيضا
  غزة و العرب و الدروس المستخلصة: من قمة الدوحة إلى قمة الكويت
  القول الفصل في ما بين اختيار إسرائيل للحرب أو الفرض
  السعودية و الغرب و حوار الأديان: من لا يملك إلى من لا يحتاج
  الخمار و الدخان في تونس: بين استحقاقات التدين و ضرورات الحداثة
  الدراما في تونس من الواقعية إلى الوقيعة
  لا حلّ في "شوفلّي حلّ"
  "إسرائيل" و "الفريب" في تونس

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. كاظم عبد الحسين عباس ، سفيان عبد الكافي، نادية سعد، محرر "بوابتي"، ياسين أحمد، عمر غازي، محمد العيادي، أحمد بوادي، إيمى الأشقر، أحمد ملحم، مصطفي زهران، سيد السباعي، فتحي العابد، ماهر عدنان قنديل، د. طارق عبد الحليم، رافد العزاوي، عواطف منصور، د - عادل رضا، محمد عمر غرس الله، الهادي المثلوثي، صفاء العراقي، فتحـي قاره بيبـان، عراق المطيري، مجدى داود، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الرزاق قيراط ، د - شاكر الحوكي ، د- محمد رحال، د - الضاوي خوالدية، محمد اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، حسني إبراهيم عبد العظيم، خبَّاب بن مروان الحمد، المولدي الفرجاني، يزيد بن الحسين، العادل السمعلي، أنس الشابي، فهمي شراب، رحاب اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، رشيد السيد أحمد، محمد الياسين، د - مصطفى فهمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. صلاح عودة الله ، محمد يحي، د. خالد الطراولي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- محمود علي عريقات، سلوى المغربي، عبد الله الفقير، د. عبد الآله المالكي، سامر أبو رمان ، الناصر الرقيق، منجي باكير، محمد أحمد عزوز، يحيي البوليني، صفاء العربي، حسن عثمان، د - محمد بن موسى الشريف ، رمضان حينوني، سعود السبعاني، عمار غيلوفي، فوزي مسعود ، د - المنجي الكعبي، صلاح الحريري، كريم السليتي، محمود سلطان، محمد شمام ، صلاح المختار، سامح لطف الله، أشرف إبراهيم حجاج، وائل بنجدو، إياد محمود حسين ، محمد الطرابلسي، مراد قميزة، عزيز العرباوي، حميدة الطيلوش، حاتم الصولي، عبد الغني مزوز، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د.محمد فتحي عبد العال، خالد الجاف ، صالح النعامي ، محمود طرشوبي، د. أحمد محمد سليمان، ضحى عبد الرحمن، د- هاني ابوالفتوح، أحمد النعيمي، تونسي، مصطفى منيغ، جاسم الرصيف، أحمد الحباسي، محمود فاروق سيد شعبان، كريم فارق، رافع القارصي، د - محمد بنيعيش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أبو سمية، إسراء أبو رمان، الهيثم زعفان، طلال قسومي، د - صالح المازقي، علي الكاش، علي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، د. أحمد بشير، حسن الطرابلسي، فتحي الزغل، د- جابر قميحة، عبد الله زيدان، سلام الشماع، أ.د. مصطفى رجب،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة