البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

(63) دمية قصر الإليزيه: "إمام مسجد ليبرالي"

كاتب المقال د - أحمد إبراهيم خضر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 15055


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يسعد موقع 'بوابتي' كثيرا معاودة الأخ الفاضل الدكتور أحمد إبراهيم خضر نشر إنتاجاته الفكرية لدينا، والأخ أحمد كان أكثر الناس متابعة لأخبار 'بوابتي' حين الحجب، وكانت اتصالاته المتكررة ومساندته المعنوية من العوامل التي عجلت بتفعيل الموقع.
محرر موقع 'بوابتي'
--------------


القاعدة الأساسيَّة التي لا يكاد يختلف عليها كلُّ مسلم استقر الإيمانُ في قلبه: أنَّ هذا الدين لا يُخدَم بنقض أي قاعدة من قواعده الاعتقادية...
ويتفرع من هذه القاعدة العديد من القواعد الفرعية الأخرى، منها:

أولاً: يَجب أن تكون وقفة المسلم أمام أي عقيدة، أو نظام، وأي شرع، أو وضع لا يكون فيه الأمر لله وحدَه - هو الرَّفض، والمفارقة، والتبرُّؤ، وذلك قبل الدخول في أية مُحاولة للبحث عن مشابهات ومُخالفات من شيء من هذا كله.

ثانيًا: يندرج تحت ذلك كل ما ينتمي إلى اليهودية، أو النصرانية، أو المجوسية، أو الصابئة، أو الوثنية، أو الشركية... إلخ، كلها أو بعضها، أو ما هو مُنتزع منها، فإنَّها جميعها مبتدعها ومنسوخها صارت جاهليَّة بمبعث محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإن كان لفظُ الجاهلية لا يقال غالبًا إلا على حال العرب التي كانوا عليها، فإن المعنى واحد.

ثالثًا: أنَّ جميعَ ما يعمله أهل الكتاب بما ليس من أعمال المسلمين السابقين: إمَّا كفر، وإما معصية، وإما شعار كفر، أو شعار معصية، وإمَّا مظنة للكفر والمعصية، وإما أن يُخاف أنْ يجرَّ إلى المعصية، كما بيَّن الإمامُ ابن تيمية - يرحمه الله.

رابعًا: أنَّ أعظم الجهل هو طلبُ الهدى من عند أهل الضلال؛ لأنَّ عدم الاشتراك في العقيدة يعني عدم الاشتراك في الهدف والوسيلة، أو التبعة، أو الجزاء؛ ولهذا لا يصح أنْ يتعاوَنَ المسلم في سعيه لإقامة دين الله في الأَرض مع مَن لا يؤمن بالإسلام منهجًا، ونظامًا، وشريعة.

خامسًا: أنَّ هذا الدين قد اكتمل وانتهى أمره، وتعديل شيء فيه كإنكاره كله؛ لأنه إنكارٌ لِمَا قرَّره الله - تعالى - من تمامه وكماله، ورفضٌ للإيمان، وخروج عن دين الله، مهما أعلن المدَّعِي أنه يحترم العقيدة، وأنَّه مسلم.

سادسًا: لا يَجوز لأحدٍ أنْ يَركَن إلى شرع نفسه، وبين يديه شَرعُ الله وسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمعنى أن يستحسن أو يستقبح شيئًا بالرجوع إلى نفسه وعقله، ويقتضي الأدب مع الله تلقِّي أحكامه بالقبول والتنفيذ، لا أنْ يَجعل من نفسه وعقله حكمًا عليها.

سابعًا: أن انتحال الشيء على اعتبار أنَّه مصلحة موافقة لقصد الشارع، لا يُعطيه المشروعية، فالمصلحة معتبرة من حيث وضعها الشارع، لا من حيث مُوافقتها لقصد الشارع، كما قرَّر الإمام الشاطبي - يرحمه الله - في "الموافقات"، ومن شرع شيئًا لم يأذن به الله، لا يَجوز أن تكون أصوله منقولة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولهذا فهو باطل؛ لأنَّ لزوم الباطل باطل، كما أنَّ لزومَ الحق حق.

ومِن ثَم ليس لأحد أن يزعُم عن أمر ما أنَّه من شريعة الله، دون علمٍ مستيقن بكلام الله، فالعلم المستيقن بكلام الله هو الذي يستند إليه مَن يقول في دين الله؛ حتى لا تعمَّ الفوضى، فيقدِّم كلُّ أحد هواه وهو يزعم أنَّه من دين الله، ومَن يزعُم ذلك عليه أنْ يأتي بسلطان لإثبات أنَّ ما يقوله من دين الله، ويتمثَّل هذا السلطان في شريعة الله، والخروج على سلطان الله في جزئية صغيرة يعني الخروج عن الدين جملة.

هذه القاعدة الأساسية وما استتبعها من القواعد السبع، خَرَجَ عنها تَمامًا إمامُ مسجد النور في ضاحية "درانسي" بشمال باريس، ولهذا أطلق عليه الغربيُّون "الإمام الليبرالي"، وهو أشهر الأئمة المسلمين المعروفين في فرنسا، وأكثرهم إثارةً للجدل، تُعسْكِر قواتُ الشرطة بالقرب من مسجده أثناء صلاة الجمعة، ما أنْ يَخرج من منزله حتى يُلازمه اثنان من الحراس الشخصيِّين في كل الأوقات، وحينما يشتد الأمرُ عليه، يأخذ زوجته وأطفاله، ويَخرج بهم بعيدًا لمدة أسبوع أو أسبوعين، على أمل أنْ تَهدأ موجة الاحتجاجات التي تثيرها أفكاره، لم يأتِ هذا (التكتيك) بثماره، فما أنْ يعود "الإمام" إلى منزله حتى تشتعلَ الأمور مرة أخرى.

ولد هذا "الإمام" في تونس في عام 1972م، وصفه "جيفن مورتمر" نقلاً عن صحيفة "لوباريزيان" بأنه واحد من أصغر الأئمة، لكنَّه أعظمهم ليبراليةً في فرنسا، إنَّه الرجل الذي يعمل على توثيق الرَّوابط بين اليهود والمسلمين، درس القرآنَ في سوريا وفي باكستان لمدة أربعِ سنوات، وأدَّى فريضة الحج؛ يقول عنه الكاتب الألماني "أولرخ فختنر": "إنَّه رجل لا يتحدث عن نفسه كثيرًا، لكن الناسَ تعرِف عنه كلَّ شيء، حينما يتحدث عن نفسه، تَجده متناقضًا في بعض الأحيان، أو لا يذكر تفاصيلَ ما يقوله على وجه الدِّقَّة، وتَجده في أحيانٍ أُخرى يتحدَّث خارجَ سياق الكلام، يصعب عليك أنْ تُحدد مَن هو، ولكن يسهُل عليك أنْ تُحبه، إنَّه شخص لطيف، ذو لحية قصيرة ومُهذبة، وليست طويلة كثيفة، وعلى سِمته جمالٌ وحُسن، حتى يُخيَّل إليك أنه راقص محترف".
هاجر "الإمام الليبرالي" إلى فرنسا في أواخر عام 1996م، وحصل على الجنسية الفرنسية في عام 2000م تقريبًا، وهو متزوج وله خمسة أطفال.
وصل "الإمام" إلى مطار "شارل ديجول" قريبًا من منطقة "رويسي" كمهاجر، شأنه شأن مَن سَبقوه إلى فرنسا، وغيرهم ممن سيأتون من بعده، عاش فترةً من الوقت بعد وصوله باريس في منطقة "بوبيحني" التابعة لمقاطعة "سان سانت دينيس"، التي تضُمُّ ما يقرب من مائة مسجد.

كان يعمل نصف يومه حتى عام 2002م كإمام في "بوبيجني"، أما باقي اليوم، فقد كان يشتغل عاملَ تَخزين للبضائع في المطار لكسب عيشه، ولعل هذه الفترة من حياته هي السبب في تناقض منظوراته بعضها مع البعض الآخر.

صنفته المخابرات الفرنسية في البداية على أنه "متطرف حتى النخاع"، كانت تقاريرُ المخبرين السريين تُشير إلى أنه يدْعو الناس في صلاة الجمعة إلى الجهاد، ويقول لهم: إنَّ مَن يَموت مجاهدًا سوف يدخل الجنة، ولهذا سحبتْ بطاقته التي كانت تسمَح له بدخول المطار، كما سحبت من العديد من العُمَّال؛ لكونهم مُسلمين، أو لكونهم يُطلقون لحاهم، أو لأن في جوازات سفرهم أختامًا تُشير إلى سفرِهم إلى الجزائر أو سوريا.

أنكر "الإمام" كل اتهامات التطرُّف، التي كانت موجهة إليه، وقال للسلطات: "إنَّه يختلف مع باقي الأئمة في آرائهم، وإنَّه ما دعا الناس إلى الجهاد، وإنَّما كان يتحدث عما يُعرَف في الإسلام بجهاد النفس، وبرَّر سحب بطاقة دخول المطار منه إلى سفره المتكرِّر إلى مكة المكرمة"، وقال بوضوح: "صدقوني، لم تكن لي أية مشاكل مع السُّلطة الفرنسية قطُّ، قطُّ، قطُّ".

انتقل "الإمام" من "بوبيجني" إلى "درانسي"، وهي ضاحية من ضواحي شمال "باريس"، وتُعَدُّ من أفقر بَلداتِها، رَغم أنَّها لا تبعد عنها بأكثر من نصف ساعة بالسيارة، عدد سكانها يقرب من سِتَّة وستين ألف نسمة، الرحلة من باريس إلى "درانسي" رحلة من عالم إلى عالم آخر مختلف، لا ترى عبر الطريق إليها سوى أراضٍ قاحلة، ومصانعَ قديمةٍ مهجورة، ومقابر، وطرق سكك حديد مغطاة بالأعشاب.

مبنى مسجد "درانسي" هو هدية من العُمدة الجديد، الذي اشتهر بأنه قضى على سُلطة الشيوعيِّين بعد أكثر من أربعين عامًا كانوا فيها، تَجاهل هذا العمدة البراجماتي المبادئَ الصَّارمة الفرنسية بالفصل بين الكنيسة والدولة، وسمح للمسلمين ببناءِ مَسجد بلغت تكاليفُه أكثر من مليوني دولار، بُنِيَ هذا المسجد في عام 2008م، ويقع على حافَّة مركز تسويقي كبير، يُعرف بمول "أفينير"؛ أي: "المستقبل"، المسجد محاط بـ "هايبر ماركت كارفور"، وبمرآب كبير، وبنهاية خط سكة حديدي، يتَّسع المسجدُ لألف وخمسمائة، وقيل: لألفين وخمسمائة مُصَلٍّ، وهناك فُرش خارج المسجد يُصلي عليها مَن ضاق عليهم فناءُ المسجد، السجاجيد الحَمراء مفروشة في المسجد من الحائط إلى الحائط، وهناك مكتبة دينية، أمَّا المحراب فمصنوع من الأرابيسك، ويأتي المصلون يوم الجمعة عادةً إلى المسجد بزيِّهم التقليدي المعروف في شمال إفريقيا.

يقع مكتبُ "الإمام" في الطابق العُلوي من المسجد، وغرفته مَفروشة بالسجاد، وعلى حوائطها سجاجيد، وستائر عليها آياتٌ قرآنية مُزخرفة، حينما تدخُل إلى غرفة الإمام يُحييك خَدَمُه بكوب من الشاي.

يصف الكاتب الألماني "فختنر" كيف استقبله الإمامُ، في كلماتٍ أراد فيها أنْ يُلقي مزيدًا من الضوء على شخصيته، يقول "فختنر": "يرتدي الإمام طربوشًا، حينما تدخُل عليه تلاحظ الحزن في عينيه، يُصافحك ويشد على يديك قائلاً: معذرةً ليس عندي وقتٌ، أتريد أن تلتقط معي بعض الصور، سنفعل ذلك حالاً، وقبل أنْ تُجيب عليه يَثِبُ من على مَكتبه استعدادًا للتصوير، إنَّه رجل يعرف ما يريده المصوِّرون، وهو مُحب للظهور، الظهور مُهِم جدًّا بالنسبة إليه، ولا تَخرج الصورة التي يَودُّ أن تُلتقَط وهو فيها من سياقها على خلافِ كَلماته.

إنَّه يُريد أنْ يبدوَ رجلاً متواضعًا مُسلمًا جيدًا، ولا يهدد أحدًا، إنه يُصوِّر نفسه على أنه الإمام الذي تريده فرنسا".

لم يكن "الإمام" في عام 2006 يتناول في خُطَبِه قضايا شديدة التطرُّف؛ بل كانت قضايا مَحدودة، وكان أهمُّ ما يُميزها أنَّها لا تهاجم النظام القائم؛ بل كانت تتطابق مع شعارات الجمهورية الفرنسية، والدستور الفرنسي، وتدْعو إلى السلام.

بعد أنْ أثار العضوُ الشيوعي في البرلمان الفرنسي قضيةَ "النقاب"، ووَجَد مُؤيدين له من جميع الأحزاب في الجمعية الوَطنية الفرنسية، وبدأ الإعدادُ لمشروع يحظر النِّقاب، ويُعاقب مَن ترتديه من النساء، ومن يفرضه عليهن؛ استنادًا إلى مبادئ حقوق المرأة، والجمهورية، وكل ما هو مُقدس في فرنسا، سارع "الإمام" وأدلى بتصريحاتٍ صحفية تُعبِّر عن تأييده لهذا القانون.

قال الإمام: "... إنَّ النقاب لا مكانَ له في فرنسا منذ أن منحت المرأة حقَّ التصويت في عام 1945... وقد يكون ارتداؤه راجعًا لمشاكل الفقر والبطالة، والإسكان السيِّئ، والتعصُّب العرقي... إنَّ حصولك على الجنسية الفرنسية يعني أنك تريد أن تؤدي دورًا في المجتمع، وفي المدرسة، وفي العمل، ولكن كيف يمكن للمرأة أن تؤدي دَورَها هذا وهي تغطي وجهها، إنَّ مَن تريد أن تغطي وجهها عليها أنْ تذهبَ إلى بلادٍ هذه تقاليدُها كالسعودية...

إنَّ الذين يناصرون ارتداءَ النقاب هم أقلية تعكس أيديولوجية من شأنِها أنْ تدمر الإسلام... إنَّهم جهلة، إنَّهم يفصلون المسلمين عن فرنسا، ويُخيفون الفرنسيِّين منهم، إنَّ النقاب رمز للتطرُّف، وللتسلط الجنسي، ورمز لعدم المساواة، وليس هناك من دليل في الإسلام والقرآن على جوازه... لو أنَّ رجلاً لا يعرف شيئًا عن الإسلام، ثُمَّ رأى امرأةً مُغطاة من رأسها إلى أخمص قدميها، ما الذي سيفهمه عن هذا الدين؟ إنَّ الفرنسيِّين لا يقبلون غطاءَ الرأس، فكيف يقبلون النِّقاب؟ ولهذا من الطبيعي أن نحاربه...

إذا كان ارتداء الحجاب الكامل تعبيرًا عن الحرية، فإن الحرية لها حدودٌ، وإذا كانت الأفعالُ التي تعبِّر عن الحرية تُحرِّك مشاعرَ الكراهية، فإنَّ هذا ليس بالشيء الحسن، إنَّ هذا لا يُبرز الجانب المشرق من الإسلام، وأنا لا أعتقد ذلك، إنَّ علينا أنْ نَحترم مشاعرَ الآخرين، إنَّ الناس تعتقد أنَّ الإسلام دينٌ مُظلم مغلق، ونساؤه سجينات، ورجاله لا يفكرون إلا في الجنس... أيُّ صورة هذه للإسلام؟ إنني أرفض ذلك مطلقًا".

في أحد أيام الجُمَع وأثناء الخطبة، رفض جمهورُ المصلِّين ما يقوله هذا "الإمام"، وقاطعوه أثناء خطبته بصوتٍ عالٍ، وهتفوا ضدَّه "غضب الله عليك، لعنة الله عليك"، وصفوه بـ"المرتد" و"الوثني"، تزاحموا حولَ مُكبِّر الصوت الذي يَخطب منه، ونعتوه بأنه "الإمام" الذي يتحدث باسم المسلمين ويخونُهم، وطالبوا باستقالته.

يَجتمع المصلُّون كلَّ جمعة للاحتجاج على تصريحات "الإمام"، ويَجمعون التوقيعاتِ التي تُطالِب بطردِ الإمام من المسجد، وكلما مَنعتهم السُّلطات في أحد الأماكن، انتقلوا إلى مكان آخر، وواصلوا احتجاجَهم.
كانوا يَهتفون ضِدَّه، وضد العُمدة، وضد الصهيونية، وكانوا يصرخون: "الإمامُ كذَّاب، والعمدة كذَّاب، سجلنا على الإمام ما قاله"، الإسلامُ يُهاجَم في بلاد العَلمانية، والحكومة تؤسس المساجدَ؛ لتدمير الإسلام من داخله سرًّا.
كان المصلون يَحملون صورًا لأطفال غزَّة من القتلى والجَرحى، ويَهتفون: "فرنسا صديقة لإسرائيل، وهي صديقةٌ للإرهاب، إنَّ هذا الإمام ليس إمامًا للمسلمين، إنَّه إمامُ اليهود، لقد حَوَّل "الإمامُ" المسلمين إلى "فَزَّاعَة" للجمهورية الفرنسية... إنَّ الجمهورية قد تَهوَّدت، نعم، تهودت"، بعضُ المنتقدين للإمام كانوا أخفَّ وطأةً في انتقاداتهم، فقالوا: "إذا أراد الإمامُ أن ينتقد النقاب فلِمَ لا؟ ولكن ليس باسم مسجدنا"، سجل "فختنر" أقوالاً للمتظاهرين اعتبرها أقوالاً غريبة عليه، مثل قولهم: "إنَّ على فرنسا أن تتواءم مع الإسلام، وليس على الإسلام أن يتواءم مع فرنسا".
سُرعان ما تلقَّفت وسائل الإعلام الفرنسية تصريحاتِ "الإمام" وأبرزتْها مرارًا.
صُور "الإمام" كانت تَملأ أبرزَ صُحف فرنسا مثل "لابارزيان، وأوجوردوي إن فرانس، ولوبراسيون"، أمَّا صحيفتي "لوفيجارو"، و"لوموند"، فقد أظهرتا صورتَه على طول صَفحتهما الأولى.

ظهر "الإمام" أيضًا على شاشات القنوات المُتَلْفَزة بصُورة مُتَتابعة، إمَّا كموضوع في النشرات المسائية، وإما كضيف على "الجراند جورنال"، وفي حديثٍ على قناة "كنال بلس"، وهي القناة التي تستضيف عادةً الوزراءَ، وأبطالَ الأولمبياد، ونُجوم هوليوود - أظهرته هذه الصحف والقنوات على أنَّه نَجم الجمهورية الفرنسية، والمسلم الفاضل، والرجل الذي يَجب أن يعرفه العالم، وليس هذا المسلم الذي يَتَّهم الآخرين دومًا، ويتحدى كل شيء دومًا.

استقبله "قصر الإليزيه" كبطل، وهناك صحبه الرئيس "ساركوزي"، ورئيس وُزرائه من ذراعيه على الملأ، وأثنيا عليه، وقالا له: إنَّهما فخوران به، وإنَّه يَحظى بتأييدهما الكامل، كما يَحظى بتأييد المحليات النصرانية واليهودية، لم يحدث أن حَظِيَ رجلٌ بِمثل ما حظي به هذا "الإمام" من قبل.

شكا "الإمام" إلى السلطات الفرنسية، وقال لها: إنَّ جَماعة من "الكوماندوز الإسلاميين" اقتحموا المسجد، ودنَّسوه، وهاجموه، وهدَّدوه بالقتل، وهاجموا منْزِلَه، وسيارته، قامت السلطات الفرنسية باتِّخاذ بعض الإجراءات؛ لحماية الإمام، وعيَّنت له اثنين من الحُرَّاس الشخصيين اللذين يُصاحِبانه على الدَّوام، ويَجلسان معه حتى في مَكتبه، ويَخرجان معه إلى (مرآب) السيارات، وقبل أنْ يفتحا زجاجَ سيارته يلتفتان يمْنَةً ويَسْرَة؛ حتَّى يتأكَّدا من عدم وجود قناص يعدُّ لقنصه.
أشعل الإمام مَخاوفَ السلطات الفَرنسيَّة التي كانت تَخشى مثلَ هذه الأمور، التي من شأنِها أنْ تَتَسبَّب في تَجمُّع خلايا الإسلاميِّين - "المتعصبين للقرآن" - من مُختلف المدن الفرنسية، ويُعبِّئون شبابَ مُدن الضواحي برسائل مَليئة بالكراهية - على حدِّ قول "فختنر".

لم يقفِ "الإمام" عند حدِّ تأييد قانون حَظر النِّقاب، ولكنَّه - على حد تعبيرات "فختنر" أيضًا - تَجاوز حَدَّه، وصرح بما كان لا يَجب أنْ يُصرح به؛ يقول "فختنر": بدلاً من أنْ يهاجم "الإمام" فرنسا، هاجم دينَه الإسلامي، وبدلاً من أن يَحتج ضدَّ السياسيِّين الذين يسعون لكسب الانتخابات على حساب الإسلام بإطلاق شعارات مُعادية له، رفع "الإمام" صَوتَه مرارًا؛ ليُعلن التزامَه نَحو فرنسا، ونَحو الجمهورية الفَرنسيَّة، كان منطقيًّا أنْ يثني عليه الفرنسيُّون، لكن المسلمين أدركوا أنَّه يتحرك في المربع الخاطئ.

رفع "الإمام" شعارًا يقول فيه: "أريد أنْ أكونَ إمامًا للجمهورية".
إنَّ هذه الكلمات تعكس تمامًا عنوان الكتاب الذي يُخطط لنشره تحت عنوان "الإسلام الأوروبي، الإسلام الفرنسي"؛ يقول "الإمام": "أنا رمزٌ ولا فخر، إنَّ مسجد درانسي هو رمز، الأعداء يريدون تحطيمنا، ولا يريدون لنا الهدوء"، يُعلق "فختنر" على ذلك بقوله: "إنَّ هذه كلماتٌ كبيرةٌ بالنسبة لمدينة صغيرة، يريد الإمامُ أن يرى نفسَه الرائد الأوحد في هذا المجال... اللهجة الفرنسيَّة للإمام لهجة عرجاء، لا تتَّسِق مع مظهره الأنيق، ولحيته المهذبة، وزيه الغربي، لكن جوهرَ كلماته شفَّاف كالزجاج، إنَّه يهاجم ما يسميه بالإسلام الفاسد، إسلام الكراهية، إسلام الإخوان، إسلام السلفيِّين، إسلام المتطرفين، يريد إسلامًا مُضيئًا يقضي على هذا التصور الكارثي الذي يحيط بالإسلام".

ركز "فختنر" على دَور اليهود في قضية "الإمام"، ولماذا أسماه المصلُّون المسلمون بـ "إمام اليهود"؛ يقول "فختنر": "دَور اليهود بارزٌ تمامًا في قضية "الإمام"، العديد من المسلمين لهم مشاكل مع اليهود، المسلمون يعارضون إسرائيل، سواء في "بوبيجني" أم في "درانسي"، ورغم بُعد آلاف الكيلومترات التي تُبعدهم عن الفلسطينيِّين، فإنَّهم مُتضامنون معهم، وخاصَّة بعدما شاهدوا ما جرى لأطفال غَزَّة على شاشات التلفزة؛ يقول "الإمام": "لا يزال اليهودُ في نظر إخواني المسلمين هم أصحاب البلايين، الذين يتعاملون بالرِّبا، وقد حان الوقتُ أنْ نَضَع حدًّا لهذه التصورات، الذي لا شكَّ فيه هو أنَّ هذه التصريحات للإمام لها صداها الإيجابي الواضح، سواء داخلَ فرنسا أم في كل أنحاء أوروبا، وأنَّ لها صداها السلبي عند المسلمين".

عندما هاجمت إسرائيلُ غَزَّة في أوائل 2009 عَرَض التلفاز الفرنسي صورًا تعكِس هذا التدمير الشامل الذي تعرَّض له القطاع، مرَّة أخرى يظهر "الإمام"، ويُدلي بتصريحات غير متوقعة بالمرة، لم يوجِّه الإمام نقدًا ولا إدانة لإسرائيل، لكنَّه قال: "ليس هناك من شيء يفعله الفرنسيُّون في هذا الصراع، أين سيكون الفرنسيُّون إذا نقلنا كل صراعات العالم إلى فرنسا؟"، إن موقف "الإمام" هذا يشبه تمامًا موقف "قصر الإليزيه" من الصِّراعات الخارجية، لكنَّه موقف يرفضه المسلمون تمامًا.

ومنذ أربع سنوات مَضَت أدلى "الإمام" بتصريحاتٍ جعلتْه مَمقوتًا من مُجتمع المسلمين، لكنها كانت بَرْدًا وسلامًا على اليهود الفَرنسيِّين، تَحدَّث عن المصالحة والتقارُب مع اليهود، التي لم تُسمع من إمام مُسلم قبله، أصبح الرجلُ إمامَ السلام بالنسبة لليهود، لكنَّه زرع مع هذا السلامِ العُنفَ والاضطراب بين المسلمين؛ قال "الإمام" على الملأ: "إنَّ المحرقة اليهودية جريمة لا نظير لها"، وقد كان هذا التصريح من "الإمام" أجرأَ تصريح لإمام في فرنسا.

وفي مناسبة الاحتفال بذكرى المحرقة في الموقع الذي كان من قبل مُعسكر اعتقال لليهود في "درانسي"، صرَّح "الإمام" بأن اليهود والمسلمين همُ أبناء إسرائيل وإسماعيل، وأنَّهم من العائلة نفسها، وأنَّهم أبناء عمومة، فلِمَ الصِّراع بينهم؟

أثنى عليه اليهود، وكَتَب أحدُ المواقع اليهودية مقالاً عنه بعنوان: "المتطرفون الإسلاميُّون يُهدِّدون إمامًا صديقًا لليهود"، وفي التاسع من فبراير 2002 كتب "جوزيف جورييبوسكي" مقالاً في موقع "المجمع اليهودي - الأوربي" يثني فيه على هذا "الإمام"؛ يقول "جورييبوسكي": "قضى الرجل سِنِي حياته يَعِظ الناسَ في مسجده، ويدْعو إلى الانسجام بين العقائد المختلفة، تعاون الرجلُ مع القادة اليهود، كان يدْعوهم إلى منزله، ويَحُثُّ الشبابَ من مختلف الديانات على استبدال المحبة بالكراهية، كان الشباب من المسلمين يعنفونه؛ بسبب ذَهابه إلى المعابد اليهودية، ومصافحته لرجالِ الدين اليهود، ورفض بعضُهم مصافحته، حضر الرجل في عام 2006 احتفالَ اليهود بذكرى "الهولوكست" وترحيل اليهود من "درانسي"، ودعا المسلمين إلى احترام هذه الذكرى عند اليهود".

لم يُغيِّر "الإمام" من مَواقفه مطلقًا؛ بل صرَّح بأنه يُمثل غالبية المسلمين في فرنسا ممن ينظرون إلى الأمور من زاويتِها العَمليَّة، ووصف "الإمام" معركته مع من يُعارضونه بأنَّها معركة طويلة، وقال: "إنَّنا سنُراهن عليها، إنَّها معركة لن تنتهيَ، ولها ضريبتها بالطبع".

ترأس "الإمام" مؤتمرًا للأئمة في 2009 لتعزيز العَلاقات بين أصحاب الدِّيانات المختلفة في فرنسا، وخاصَّة بين اليهود والنصارى والمسلمين، قصَّ الإمام ما حدث له في مسجد "درانسي"، فقال: "أهانوني في المسجد، وأهانوا المجتمعَ اليهودي، والجمهورية الفرنسية... إنَّني أتحدَّث لصالح غالبية المسلمين، وأعملُ لمستقبل أطفالنا، ومن أجل الجمهورية، من أجل أنْ يَجد الإسلام مكانَه في فرنسا، ويَحترمه الفرنسيُّون"، دَعَا إلى هذا المؤتَمر أعضاءَ مجلس الوزراء الفرنسي، ومُمثلي الجاليات اليهوديَّة، ودبلوماسيِّين من الولايات المتحدة، وسفارات الدول الغربية الأخرى.

تَحدَّث الإمامُ في مؤتَمر البرلمان الأوروبي في بروكسل، وقدَّم لممثلي الجماعات اليهودية خبزًا محمصًا.
سافر "الإمام" إلى قطاع غزة في صُحبة الحاخامات اليهود.
يقول "فختنر": "هناك خمسة ملايين مسلم في فرنسا، البعضُ يقول: إنَّ أعدادَهم تَصِلُ إلى ثمانية ملايين، ليست هناك إحصاءات دقيقة، يُقدِّر البعضُ عددَ النساء اللاَّتي يرتدين الحجاب والبرقع الأزرق والأسود بألف وأربعمائة امرأة، أمَّا مَن يرتدين الحجاب كاملاً، الذي يُغطي الوجه ما عدا العينين، فأعدادُهن تصل إلى ما يقرُب من أربعمائة امرأة.

رصد "فختنر" واقعة أخرى لها دلالتها وذات مغزى، أثناء الضَّجة والاحتجاجات والصيحات الغاضبة على "الإمام" في مُواجهة المسجد، كانت هناك ضجة أخرى، ولكن في ثوب مُختلف، وتشير إلى سلوكيَّات أخرى للمسلمين مُختلفة عن سلوك المتظاهرين.
كانت هناك زفة عُرس متجهة لتوثيق عقدِ نكاح في المسجد، قافلة سيارات تضُمُّ رجالاً ونساء، وفيهم نساء مُتبرجات يرتدين زيًّا غربيًّا، ويضعن أحمر الشفاه.

تونسيون وجزائريون يُغنون ويرقُصون بأبواق نُحاسية، يطوفون بالسيارات حول المدينة، ويَمرُّون بالمتظاهرين غيرَ عابئين بما يحدث.

يتساءل "فختنر": "إذا كان أعدادُ المحجبات حجابًا كاملاً والمُنتقبات ضعيفةً جدًّا، وإذا كان هناك قطاعٌ من المسلمين في فرنسا مُتفلِّت أصلاً، ولا يعبأ بالسلوكيَّات الإسلامية التي ثار من أجلها مُعارضو "الإمام"، وإذا كان السياسيُّون الفرنسيُّون غيرَ عابئين بضجة النقاب، فلِمَ هذا الهياج؟ وما السرُّ في هذا التحوُّل الفجائي الذي جعل مسألةَ النقاب قضية تَمس الهُوية القومية، تزامنت مع قضية الاستفتاء حول مَنارات المساجد في السويد في نهاية نوفمبر الماضي؟ تابع "فختنر" التقرير الذي صدر بعد حادثة "مسجد درانسي"، الذي يتناول أفضلَ السُّبل للتعامُل مع قضية النقاب، اشترك فيه اثنان وثلاثون عضوًا من أعضاء الأحزاب الفرنسية، قضوا ستة أشهر في مناقشته، ومع ذلك لم يتوصلوا إلى قرار حاسم.

كانت هناك خمس عَشْرَةَ توصية بِمَنع النساء من ارتداء النِّقاب في المستشفيات، والجامعات، ومكاتب البريد، ووسائل النقل العام، ومن هذه التوصيات فرض جزاءات على النساء المنتقبات تقضي بحرمانِهن من حقِّ المواطنة، لَم يتمَّ الاتفاقُ على مسألة منع ارتداء النقاب في الشوارع، على الرَّغم من أنَّ الرئيس "ساركوزي" كان قد صرَّح في حديث له قبل عام بأن مثل هذا الزيِّ غير مرحَّب به في فرنسا.

يُفسر الكاتب "استيفن إيريانجر" بعضًا من الألغاز المحيطة بهذا "الإمام"، وعلاقته بقضية النقاب، فيقول: "إنَّ هذا الإمام هو واحد من أحلام "نيكولاي ساركوزي"، إنَّه الرجل الذي يعارض الحجابَ الكامل الذي يغطي الوجه، إنَّه الرجل الذي يعارض التطرف الديني ويَسعى إلى تأسيس "الإسلام الجمهوري الفرنسي"، إنَّه الرجل المسكوني الذي يُشجِّع الحوارَ مع اليهود الفرنسيين.

والواقع هو أن هذا الإمام استطاع أن يُدغدع بأحاديثه ومسايراته "ساركوزي" ورفاقه، وكان "ساركوزي" يستشهد بتصريحاتِ الإمام في مناسبات عديدة؛ خدمةً لأغراضه بالطبع".

وهنا يضع "فختنر" يدَه على السر وراء ذلك كله، فيقول: "كانت هناك انتخابات إقليمية في مُنتصف مارس الماضي، وهناك كارثة تكاد تحلُّ على تحالف "ساركوزي" مع الجناح اليميني، شعر الرئيس بأنَّ شعبيته تتضاءل، ويريد أن يكون حازمًا بقدر الإمكان، فاستغل قضية النقاب لتدعيم مَوقفه الانتخابي واستعادة شعبيته"، ويعني ذلك باختصار: أنَّ "الإمام" كان دُمية في يد "ساركوزي" ورفاقه استخدموها لتحقيقِ مكاسب سياسية، وهذا ما أكَّده "فختنر" بقوله: "وكان ساركوزي يستشهد بتصريحات الإمام في مناسبات عديدة؛ خدمة لأغراضه بالطبع".

يُصبح السؤال بعد ذلك: لماذا وقع "الإمام" في هذا الشرك الكبير؟
في مقال له بعنوان "انتكاس الرموز" حاول الشيخ الدكتور "محمد عبدالعزيز المسند" أنْ يُفسِّر أسبابَ هذه الظاهرة، التي يُمكن أن نتلمس عَبْرَها تفسيرًا لما جرى لهذا "الإمام".

يقول الشيخ "المسند": "إنَّ هذه الظاهرة ليست شيئًا جديدًا في مَسيرة الدَّعوة، كيف وقد ذكر الله - عزَّ وجلَّ - لنا في كتابه الكريم بعضَ أخبار المنتكسين، كإبليس وبلعام وغيرهما، والمتأمِّل في تاريخنا القديم والحديث يلحظ وجودَ أعدادٍ من المُنتكسين مِمَّن كانت لهم صَولاتٌ وجولات في ميادين الدَّعوة والزهد والعبادة، فإذ بهم يتحوَّلون إلى أعداءٍ ومخذِّلين... لكن يظل هؤلاء المنتكسون قلَّة في مقابل جماهير الدُّعاة الثابتين، ولله الحمد والمنَّة.
وليس وجود أمثال هؤلاء المنتكسين بسبب خللٍ في الدين والدعوة، كلاَّ والله؛ وإنَّما هو مقتضى سنَّة ربَّانية حكيمة: سنَّة التمييز والتمحيص؛ حتَّى لا يبقى في موكب الدَّعوة الطاهر إلا الصادقون المخلصون؛ ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران: 179]، ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [آل عمران: 141].
ولقد فقه هذه السنَّةَ الجليلة سلفُنا الصالح، فحذَّروا من الافتتان بالأحياء، والاستنان بهم، لا سيما إذا انحرفوا عن الجادَّة المستقيمة، فهذا ابنُ مسعود - رضي الله عنه - يقول قولته المشهورة، والتي تُكتَب بماءِ الذَّهب: "مَن كان مُستنًّا، فليستنَّ بمن قد مات؛ فإنَّ الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة".
وصدق - رضي الله عنه وأرضاه - فها نَحن اليومَ نرى بأمِّ أعيننا من الأحياء مَن افتُتنوا وفَتنوا، ولهذا كان أكثر دعاء النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا مقلِّبَ القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، فليس أَضَر على الدين والدَّعوة من (عالم) متقلِّب، وداعية متذبذب؛ بل لَم يعدِ الأمرُ تقلُّبًا وتذبذبًا، وإنَّما أضحى انتكاسًا ونكوصًا واضحًا؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 10].

أمَّا أسباب الانتكاس، فهي كثيرة لا يتَّسع المقام لذِكرها، لكنَّ أخطرها وأكثرها سببًا للانتكاس: حبُّ الشهرة والتصدُّر، وحبُّ البروز والظهور، مع فساد في النيَّة، وقديمًا قيل: حبُّ الظهور يقصم الظهور"؛ (موقع نور الإسلام).
يتفق تفسير الشيخ "المسند" مع ملاحظات "فختنر"، التي أشرنا إليها أعلاه، والتي يقول فيها: "إنَّه رجل يعرف ما يريده المصوِّرون، وهو مُحب للظهور، الظهور مُهِم جدًّا بالنسبة إليه، ولا تخرج الصورة التي يود أن تُلتَقَط وهو فيها عن سياقها على خلاف كلماته، إنه يريد أن يبدوَ رجلاً متواضعًا، مسلمًا جيدًا، ولا يهدد أحدًا، إنه يصور نفسه على أنَّه الإمام الذي تريده فرنسا".

الواقع هو أنَّ الإعلامَ الفرنسي نَجح في إشباع حاجة الإمام، وحبه للظهور، إلى أقصى حد مُمكن، فأعماه عن إدراك أنَّه ما كان إلاَّ "دُمية" في يد "ساركوزي" ورفقائه؛ لتحقيق أهدافهم السياسية، فعجز الإمامُ عن فهم ما قاله أحدُ المتظاهرين ضدَّه في قوله: "إنَّ هناك لعبةً قَذِرَة تُمارَس ضدَّ الإسلام، تستخدم فيها فرنسا المسلمين ككبش فداء...

لقد كان الإمام دمية في يد الأقوياء، وما كان للإمام أنْ يدخلَ في اللعبة السياسية، ولو كان قد اقتصر على تفسير القرآن وقضاء مصالح المسلمين، ما كان ركع لليهود كما فعل ذلك مرارًا".

كما عجز الإمامُ عن فهم أنَّه ما كان إلا ورقةً سيتم إحراقُها حتمًا بعد أن تستنفذ أغراضها؛ يقول "فختنر": "يبدو أن أيام الإمام قد أصبحت مَعدودة، وبخروجه من اللُّعبة تكون فرنسا قد خَسِرَت مُسلمًا نموذجيًّا، سيترك الإمام محفله الديني، ويعود إلى عالمه الصَّغير المحاط بـ "هايبر ماركت كارفور"، و(مرآبه)، ونهاية خط السكة الحديديِّ، الذي تغطيه الأعشاب، والذي يسد عليه اتجاه القبلة إلى مكة؟".

د - أحمد إبراهيم خضر


دكتوراة في علم الاجتماع العسكري
الأستاذ المشارك بجامعات القاهرة، والأزهر، وأم درمان الإسلامية، والملك عبد العزيز سابقا.

المصادر:


1 - Gavin Mortimer, Liberal imam risks death by backing ban on burkas, The first post, JANUARY 27, 2010
2 - Joseph K. Grieboski,European - jewish congress، The cutting edge،February 9, 2010.
3 - Paul Okel،Paul from Paris،Who is Hassen Chalghoumi ? February 2, 2010.
4 - Seven Erlanger , For a French Imam, Islam’s True Enemy Is Radicalism،February 12, 2010
5 - Islamic extremists threaten Jewish - friendly imam PARIS, (JTA), January 26, 2010.
6 - Paris: Worshipers want to fire “burka - opposing imam, AFP (French)، January 31, 2010
7- Ulrich Fichtner, 'Imam for Peace' Sows Discontent, Translated from the German by Christopher Sultan Spiegel Online International , May 19 , 2010.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، فرنسا، ليبيرالية، علمانية، غزو فكري، إرهاب، تطرف،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-02-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  (378) الشرط الأول من شروط اختيار المشكلة البحثية
  (377) مناقشة رسالة ماجستير بجامعة أسيوط عن الجمعيات الأهلية والمشاركة فى خطط التنمية
  (376) مناقشة رسالة دكتوراة بجامعة أسيوط عن "التحول الديموقراطى و التنمية الاقتصادية "
  (375) مناقشة رسالة عن ظاهرة الأخذ بالثأر بجامعة الأزهر
  (374) السبب وراء ضحالة وسطحية وزيف نتائج العلوم الاجتماعية
  (373) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية (2)
  (372) التفكير النقدى
  (371) متى تكتب (انظر) و (راجع) و (بتصرف) فى توثيق المادة العلمية
  (370) الفرق بين المتن والحاشية والهامش
  (369) طرق استخدام عبارة ( نقلا عن ) فى التوثيق
  (368) مالذى يجب أن تتأكد منه قبل صياغة تساؤلاتك البحثية
  (367) الفرق بين المشكلة البحثية والتساؤل البحثى
  (366) كيف تقيم سؤالك البحثى
  (365) - عشرة أسئلة يجب أن توجهها لنفسك لكى تضع تساؤلا بحثيا قويا
  (364) ملخص الخطوات العشر لعمل خطة بحثية
  (363) مواصفات المشكلة البحثية الجيدة
  (362) أهمية الإجابة على سؤال SO WHAT فى إقناع لجنة السمينار بالمشكلة البحثية
  (361) هل المنهج الوصفى هو المنهج التحليلى أم هما مختلفان ؟
  (360) "الدبليوز الخمس 5Ws" الضرورية فى عرض المشكلة البحثية
  (359) قاعدة GIGO فى وضع التساؤلات والفرضيات
  (358) الخطوط العامة لمهارات تعامل الباحثين مع الاستبانة من مرحلة تسلمها من المحكمين وحتى ادخال عباراتها فى محاورها
  (357) بعض أوجه القصور فى التعامل مع صدق وثبات الاستبانة
  (356) المهارات الست المتطلبة لمرحلة ما قبل تحليل بيانات الاستبانة
  (355) كيف يختار الباحث الأسلوب الإحصائى المناسب لبيانات البحث ؟
  (354) عرض نتائج تحليل البيانات الأولية للاستبانة تحت مظلة الإحصاء الوصفي
  (353) كيف يفرق الباحث بين المقاييس الإسمية والرتبية والفترية ومقاييس النسبة
  (352) شروط استخدام الإحصاء البارامترى واللابارامترى
  (351) الفرق بين الاحصاء البارامترى واللابارامترى وشروط استخدامهما
  (350) تعليق على خطة رسالة ماجستير يتصدر عنوانها عبارة" تصور مقترح"
  (349) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
كريم السليتي، مصطفي زهران، سلام الشماع، رمضان حينوني، د. مصطفى يوسف اللداوي، مصطفى منيغ، علي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، د - محمد بن موسى الشريف ، خبَّاب بن مروان الحمد، فوزي مسعود ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صباح الموسوي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، إياد محمود حسين ، محمد شمام ، سعود السبعاني، د- هاني ابوالفتوح، د - عادل رضا، د- محمد رحال، عبد الرزاق قيراط ، د. خالد الطراولي ، أحمد النعيمي، خالد الجاف ، تونسي، فتحي العابد، د. أحمد بشير، محرر "بوابتي"، رشيد السيد أحمد، د- جابر قميحة، أنس الشابي، حسن عثمان، د. صلاح عودة الله ، عراق المطيري، أ.د. مصطفى رجب، الناصر الرقيق، محمد اسعد بيوض التميمي، إسراء أبو رمان، صلاح المختار، وائل بنجدو، يحيي البوليني، يزيد بن الحسين، د - محمد بنيعيش، صفاء العراقي، د - صالح المازقي، عمر غازي، محمد العيادي، محمد الياسين، طلال قسومي، محمود طرشوبي، أحمد ملحم، محمد أحمد عزوز، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - المنجي الكعبي، صالح النعامي ، فتحي الزغل، محمود سلطان، عزيز العرباوي، سلوى المغربي، المولدي الفرجاني، د- محمود علي عريقات، عبد الله زيدان، الهادي المثلوثي، أبو سمية، منجي باكير، عواطف منصور، العادل السمعلي، د - الضاوي خوالدية، كريم فارق، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حاتم الصولي، الهيثم زعفان، فهمي شراب، د. عبد الآله المالكي، صفاء العربي، د. طارق عبد الحليم، أحمد بوادي، عمار غيلوفي، ماهر عدنان قنديل، إيمى الأشقر، د. أحمد محمد سليمان، رافع القارصي، حسن الطرابلسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رضا الدبّابي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد يحي، مجدى داود، سليمان أحمد أبو ستة، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الغني مزوز، جاسم الرصيف، حميدة الطيلوش، سامر أبو رمان ، ياسين أحمد، سامح لطف الله، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - مصطفى فهمي، فتحـي قاره بيبـان، رافد العزاوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - شاكر الحوكي ، محمد عمر غرس الله، علي الكاش، عبد الله الفقير، صلاح الحريري، محمد الطرابلسي، نادية سعد، د.محمد فتحي عبد العال، مراد قميزة، أشرف إبراهيم حجاج، سيد السباعي، أحمد الحباسي، سفيان عبد الكافي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة