د. ضرغام عبد الله الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6508
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عام 1979، كنت شديد الفرح والتفاؤل بانهيار نظام الشاه، ومن شدة فرحتي بزوال النظام الذي ناصب العرب والمسلمين العداء صممت أذني وتعاميت عن رؤية حقائق كثيرة بعضها تنتمي للقواعد العلمية في السياسة، تنازلت عنها لبرهة، في انتصار غالباً ما يحدث عندنا للعاطفة على العقل، دون أن يخطر على بالي أن ما هو آت أشد مرارة من الزائل وتلك تجربة.
وكانت لي صلة بأستاذ اقتصاد في جامعة برلين / همبولت، إيراني الجنسية(حتى ذلك الوقت على الأقل) بدرجة علمية رفيعة، كان قد غادر بلاده منذ حركة مصدق 1954 وهو بمرتبة قيادية في الحزب الشيوعي الإيراني تودة، وكان قد قبل مشكوراً أن يكون لي كمشاور خارجي لأطروحتي في الدكتوراه، فكنت أستمتع للغاية بآرائه العلمية الرائعة، وكل ساعة كنت أقضيها معه أستمع فيها لمشورته تعادل قراءة كتاب ممتاز، وأنا أقر بأنه صاحب فضل علي مسيرتي العلمية، ولطالما تدخل لتصحيح وجهات نظر وطرق وأساليب التفكير والتحليل العلمي.
إلا أنه لم ينجح آنذاك بإقناعي برأيه أن ما تشهده إيران (في مطلع الثورة الخمينية) هي مجرد حركة فاشي، تشبه في أساليبها الفاشية إلى حد بعيد ومضى يضرب لي الأمثال في ألمانيا (التي كنا نعيش فيها) وفي إيطاليا. وقال لي وهو آسف على مصير د. شاهبور بختيار: أتدري أن باختيار ترك مقاعد الدراسة في باريس ومضى مقاتلاً في الألوية الأممية بأسبانيا أبان الحرب الأهلية، وأنه عاد بعد انتكاسة الجمهورية، ولكن ليساهم في المقاومة السرية الفرنسية ضد الاحتلال النازي، ولهذا فهو يحمل الجنسية الفرنسية منحت تكريماً له، وتساءل أرأيت بالأمس كيف أقتحم الغوغاء بيته وألقوا بمكتبته في حوض السباحة في بيته ..! وهم يهتفون .. الله أكبر .. هل يكره الله الكتب والعلماء ؟ ترى بماذا يذكرك هذا المشهد ؟ فسكت، فعرف من سكوتي أنه أصاب الهدف .. تذكرت دخول المغول لبغداد وإبادتهم لحضارة، ولكني كنت لا أريد أن أفهم سوى أمر واحد، أن إزالة الشاه حركة تاريخية.
ولكن الخمينية تصرفت على نحو سافر وأزالوا كل وهم والتباس بسرعة شديدة، حتى أني قرأت مقالاً في مجلة السياسة الخارجية، يكتب فيها أوليانوفسكي وكان يومها أحد كبار منظري الاتحاد السوفيتي، كتب بعد عامين على الثورة: أن لا مؤشر واحد على تحولات اجتماعية في الأفق القريب ولا البعيد. وليومنا هذا لا يوجد مؤشر واحد، الذين كانوا يأملون خيراً من هذا النظام الفاشي وأنا منهم، أدركوا أنهم خسروا في رهانهم، ومع ذلك ما زال هناك من يثرثر وبصوت عال.
بل نحن أدركنا ومتأخرين(نسبياً)، وهذا ليس عيباً في ذكائنا، أن الثورة هي مؤامرة نفذها غوغاء طهران كالعادة، الثورة أزاحت القوى الرئيسية التي اشتركت في العمل الوطني والثوري طوال عقود طويلة وقدمت قوافل من التضحيات: اتحاد نقابات العمال في إيران، الذي أشعل فتيل الثورة و تحديداً نقابة عمال النفط، سرعان ما ابتلعتهم لجة الأحداث، وحزب تودة الذي ما سبقه أحد في التضحية من أجل الشعب الإيراني، أعتقل سكرتيره العام وأرغم وهو الشيخ الفاني على الظهور في على شاشة التلفاز ليعترف بخيانته وتجسسه ... وليعدم بعدها ..!!
أما حركة تحرير إيران التي أسسها مصدق، فقد خسرت رجالها الواحد تلو الآخر، واليوم لا أحد منهم على المسرح السياسي إلا من حفظ الدرس جيداً وصار بلبلاً يغرد بأعلى صوته.
مجاهدي خلق، شركاء الثورة الدينية، أعدم منهم حتى ملئوا المقابر، وها هم يلاحقوهم بشراسة في كل مكان. د. قاسملو قائد الحزب الكردي الإيراني، قال لي: قابلت الخميني، ورجوته بتوسل مذل، أن يقول لي أنه ربما ينظر في المستقبل في قضية الأكراد مجرد وعد، يقول: نظر لي بازدراء وقال لا شيئ لا شيئ من ذلك أبداً.
هذا الكلام مضى عليه ما يقارب الثلاثة عقود كاملة، ألا يتفضل لي المتشدقون ويرشدوني على كوامن الديمقراطية التي هي أندر من الكبريت الأحمر، على قول المؤرخ العراق المرحوم عبد الرزاق الحسني ..!!! الشاه كان يقبل ببعض القوى السياسية التي لا تعارض عرشه جذرياً، ألم يأت بمصدق رئيساً للوزراء ..؟ ولكن ديمقراطية الملالي ستعتبر كل من ليس مهرجاً في الجوقة فهو كافر ويستحق الموت ..
الدستور الإيراني ليس سراً، فلينظروا إليه، ألا يرون أن رئيس الجمهورية هو موظف صغير بإمرة المرشد الأعلى ولي الفقيه الغائب. لاحظوا المسرحية التافهة، قبل الانتخابات بوقت طويل، أظهر المرشد الأعلى أنه غير راض تماماً عن نجاد، ولماذا غير راض ..؟ هل بوسع نجاد أن يتفوه بكلمة واحدة لا يرضى عنها المرشد دام ظله ..؟؟ وكتبت في أحدى التقارير السياسية، أن هذا محض هراء، فرجل بالغ الانضباط، قلت بالغ الانضباط مثل نجاد الذي تربى في أجهزة المخابرات منذ نعومة أضفاره، وكل ما لديه يدين به للثورة وللمخابرات، فهو من أفضل المنفذين في إطلاعات (جهاز المخابرات الإيراني)، ألم يغتال سياسيين معارضين(مطلع الثمانينات) في عاصمة النمسا فيينا ..؟ بل هناك مذكرة بإلقاء القبض عليه سارية المفعول من الأنتربول، أضحك في عبك فهو مناضل ضد الإمبريالية ومحكمة الجزاء الدولية لا تطالب بأمثاله .. وسرعان ما ساخت ألوان اللعبة السخيفة، فوقف المرشد خلف ولده العاقل بكل قوة لدرجة أن ليحصل ما يحصل ..!
ماذا يحصل ..؟
مرشح الرئاسة موسوي هو منتج من منتجات النظام نفسه، ولكن عظم عليه في لحظة الوعي أن يرى بلاده تدخل النفق الأسود ولا ضوء يلوح في الأفق، وربما بعض من شرائح الملالي هم أقل تخلفاُ من خامنئي، هم يناورون ببطء شديد، ومن يدري كم من التيارات شبه العلنية تنضوي تحت لافتة الإصلاحيين، ربما البعض منها مرخصون بالمعارضة، ربما البعض أراد أن يعبر النهر، ربما أرادها كشعار، ولكن الجماهير حملته وخاضت به النهر حتى غدا مقتنعاً بالتغيير، ابتدأ بالقناعة ببساطة، ولكن العاصفة ولا بد من الاعتراف كانت هائلة، كانت أقوى منه فحملته واتجهت صوب النهر تريد العبور.
الآن خرج الأمر بتقديري من يد موسوي، فالجماهير قررت أن يكفي ثلاثين عاماً من الظلام الدامس يتسيد فيه الشارع الغوغاء ونفايات طهران ممن يرتدون ثياب البسيج (جهاز أمن الثورة)ويمضون معصوبي العيون خلف الإمام الحجة ووكيلة ..
الآن حجم المطلوب يفوق ما في جعبة الإصلاحيين الخجولين..
الآن أنفجر غيظ الناس يريدون أن يعيشوا كالبشر، لا يريدون السير في طوابير سوداء يبوحون بمكنوناتهم سراً وهمساً في آذان بعضهم في ازدواج شخصية مرضية (شيزوفينيا) خشية من أحد الملالي التافهين ممن لا يعرف من الحياة أكثر من كراس مؤلف من 12 صفحة ويفاخر أن لديه علم الأولين والآخرين ..
كفى ..
من قال أن الناس تريد قنبلة ذرية ..؟ ماذا يهمهم أمرها، هم لا يريدون استخدامها ضد أحد ولا يريدون أن يصبحوا في مرمى قنابل أحد .. الناس تريد أن لا ترى الفقر، والجهل والمرض، تريد أن تسافر، وتشاهد الحضارة العالمية، تريد أن تسمع وأن ترى وتتكلم، هذه أبسط حقوق الإنسان، وهم يرون أن سياسة الملالي أنتجت ضدهم وضد بلادهم موجات من البغض لم تكن معروفة عبر التاريخ .. مكروهين من كل جيرانهم ..!
في إيران أنكسر شيئ ما ... أنكسر حاجز أسمه الرهبة، احترام عباءة رجال الدين، وهذا الشيئ ليس بالأمر البسيط، بل سوف يتأسس عليه الكثير، ففي الشرق تبدأ الأمور هكذا، الانتفاضة، وكان مقدراً لها أن تقمع، هم قمعوها بذكاء، ولكن التصفيات قادمة، الانتفاضة تركت شيئاً في ضمير الشعب، وجعلت من الحكام يشعرون بأنهم يحكمون عنوة، بقوة السلاح، دعك من كلام أن هذا من تدبير الجواسيس، يقول أفلاطون قبل أكثر من 2390 سنة: الشعب لا يفسد أبداً، ولكنه كثيراً ما يخدع.
الخدعة انتهت وها قد قال الشعب كلمته، العالم رأي الميلاد، قوات السلطة تقمع، فهي تدربت جيداً لهذه المهمة، لكن ليس بوسع أحد إطفاء أنوار الفجر.
موسوي أدرك عمق المشاعر هذه، وصار بإرادته أو رغماً عنه أمل الغد .. غد إيران القادم لا محالة على يد موسوي أو غيره، فالأجندة أضحت معروفة ومفهومة ..
ونجاد يعتقد أنه أنتصر، هو لا يعلم أنه ابتدأ يخسر، هو قتل ثلاثة رجال في فيينا وأفلت من العقاب، ومارس الدجل سنوات تحت عباءة الفقيه، والآن ها قد احترقت العباءة .. الآن ليس لديهم سوى اعتمادهم المطلق على الأمن والبوليس والمخابرات .. ولا شيئ يقدمونه للشعب ..
لا نصر ... لا يوجد نصر البته ..
يقول الكاتب المسرحي النرويجي هنريك أبسن:
لا يمكن أن يكون هناك نصر في قضية جذورها في جريمة ..!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
11-07-2009 / 14:09:31 فينيق
نعم بالتحقير ، و الشتم نحلل استراتيجي
١ - ما هي الشراكة الدينية لمجاهدي خلق ... و ماذا يفعلون في العراق .. ومن استقدمهم ، و في اي ظروف .. و بناءا على اي تقارير اجسادهم تملأ المقابر .. و ممن تأخذ رجوي تعليماتها " الديمقراطيّة " .. و عندما قتلت " ندا سلطان " ماذا فعل مجاهدو خلق بعد ساعة .. و كيف تم تلفيق ، و تزوير العمليّة .. هل اسأل رجوي .أم أسأل زوجها
٢ - من هي الجماهير التي خرجت عن امرة موسوي .. اذا كانت حفلة " الثورة الرقميّة " التي ثبت ان ٨٠٪ منها خرج من اسرائيل ..فأنا معك .. و لن يستطيع احد ان يحدد عدد الجماهير التي خرجت .. لأنّ النظام ضرب طوقا من حديد .. وكل ما يصدر هو محض توقعات .. فإذا كانت امانينا ان " تنتهي الخمينيّة " فبمثل هكذا تحليل لن تنتهي
و ان كانت الواقائع تثبت أن النظام خرج من عنق الزجاجة .. فلنبحث عن شكل العدو ، و التخلص منه بعيدا عن الشتم ، و الأماني
٣ - من قال أن هذه الهرطقة ديمقراطيّة .. يخرج ٨٥٪ من الشعب للانتخابات .. و تصلنا رسائل على ايميلاتنا من " القسم الألكتروني لـ رجوي .. أن ٨٥٪ من الشعب الايراني لم تذهب للانتخابات .. فلماذا خرجت هذه الجماهير .. و عن اي ارقام مزورة تحدث الموسوي... ثم ما هو الصندوق " الذي تدفع منه امريكا لاحداث اضطربات في ايران.. ومن يقبض " منظم حملة موسوي ؟؟ أم رجوي ، و زوجها ؟؟؟
٤ - اذا كانت موجة السخط قد أثارت كل ما يرفضه الشعب .. فهل كان الشعب الأمريكي " يريد القنبلة الذريّة " .. و انت تتحدث بمعلومات اسرائيلية في باب " من قال ان الناس تريد قنبلة ذريّة " فهل برنامج ايران النووي بمعلوماتك الصهيونيّة هو مشروع قنبلة " ذريّة " .. ام بإقرار " البرادعي " هو برنامج سلمي ... و لماذا حلال على الدولة الصهيونيّة ، و الهند ، و كوريا ... و حرام على ايران.. ثم كيف تكون الدول " لاعب اقليمي " تتوسله امريكا .. ؟؟؟ بسياسة العصا ، و الجزرة ؟؟؟ ام بسياسة اللاعب الاقليمي الفاعل
٥ - قد يحمل النظام الايراني كل علل الكون .. و لكن لا استطيع ان احلل بناءا على وجهة نظر الصحافة الصهيونيّة ، او على تقارير " رجوي ، و زوجها
11-07-2009 / 14:09:31 فينيق