إنها المجتمعات التي يبشرنا بها شيخ العلمانيين فى العالم..المفكرالألماني هابرماس الإبن البار(لمدرسه فرانكفورت)التي تأسست فى معهد البحث الاجتماعي بجامعة فرانكفورت عام 1930م معلنة خروج تيارفكرى قوى ينقد النظام الاجتماعي القائم ومبشرة بنظام اجتماعي أكثر إنسانية...قدمت المدرسة رؤية جديدة لدورالعلم فى إنتاج المعرفة وأهمية دراسة الشروط العلمية لإنتاج العلم حتى يكون العلم قوة دافعة للمجتمع ..مدرسه فرانكفورت كانت أهم معول هدم فى صرح الماركسية..لم يبق من عمالقة المدرسة إلا هابرماس الذى نقد كل المعطيات الجديدة فى عالم الأفكار من عولمة لمجتمع ما بعد الحداثة لمجتمع ما بعد العلمانية..داعيا إلى إعلاء قيمة الإنسان وتعميق العلاقة بين الفرد والمجتمع لمحاربة تزييف الوعي الذي تمارسه أجهزة الإعلام حتى تتضح المعايير الصحيحة للحقيقة..قدم الرجل نقدا شديدا للنظام الرأسمالي- قبل احتضاره الأخير- كاشفا لا إنسانيته ولا عدالة نظامه..هابرماس خيب ظن(غاندي)الذى قال فى كتابه الشهير(حضارتهم وخلاصنا )يستحق الغربي أن يكون سيد الأرض لأنه قادرعلى القيام بالأعمال الضخمة..لكن هناك شيئا واحدا لا يستطيع الغربي عملة..هو آن يجلس خمس دقائق فقط مع نفسه ينظر إليها بعينة الداخلية..عمنا هابرماس فعلها..ونظر بعينة الداخلية أكثر كثيرا من خمس دقائق..فبعد الانقضاض السديد على الماركسية والرأسمالية انقض الرجل على العلمانية التى ألحقت شراً بشر... مدرسه فرانكفورت أصبحت(مصيدة الفئران)..مع كل الشكرلـ (هاملت) لاختراعه هذا الوصف الدقيق لمصير عمة وأمة وهما يشاهدان مسرحية (مقتل جونزاجو)..
هابرماس قلب الطاولة مؤخراعلى رؤوس العلمانيين فى الغرب وتابعيهم فى الشرق..ذلك أن الرجل طرح مفهوما مفاده أن معظم المفاهيم العلمانية الكبرى(كالعدل والمساواة)مصدرها الدين وتعاليمه..حتى إن أهم صيغة لعلاقة السلطة بالمجتمع وهى صيغه(العقد الاجتماعي)مستمدة من الدين..أيضا فكره(حقوق الإنسان)والجدارة الإنسانية مستمدة من الدين الذى ينص على أن كل الناس سواسية أمام الله..ويفجرالرجل أخطر معنى - نعيه نحن فى الشرق جيدا كوننا نؤمن بأن الدين جاء لتتميم مكارم الأخلاق- لينا وتواضعا وسماحة وإيثارا ورحمة وحنانا وعدلا وكرما وأنفة وعزة وشجاعة..يقول عمنا هابرماس: لولا المصدر الدينى للأخلاق والعدالة لكان من المشكوك فيه تعزيزهذه المثل وتثبيتها فى واقع البشرعلى الأرض..
هابرماس بروحه القلقة وفكره الوثاب فاض علينا من صراحة اليقين وأضاف معنىً جديداً أيضا بقوله أن الدين كان له دورشديد الأهمية فى الحفاظ على المجتمعات من توحش الرأسمالية وأثرها السىء فى الطغيان الإستهلاكى على الناس والسعى الشرس نحو تحقيق الطموحات الدنيوية وما إلى ذلك..وهذا بما يمتلكه الدين من رصيد للتسامى والتعالى على الدنيا ..دعونا نذكر الحديث الشريف(أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم)..ما أروع كلامه صلى الله عليه وسلم .
نحن الآن أمام مفكرغربى هو الآن أهم عقل فلسفي في أوروبا كما يصفون الرجل..قال ببساطة إن المرجعية الدينية لا تتعارض أبدا مع الديمقراطية..وهاجم العلمانيين الذين لا يكفون عن مطالبة المتدينين(بالتسامح) فى حين أنهم لا يفعلون ذلك !!..والحقيقة أن الثقافة الغربية موقفها يتغيرالآن من الدين بشكل جذرى فبعد أن سيطر هيجل ونيتشه وماركس على الثقافة الغربية فيما يتعلق بالدين وتطبيقاته وسادت أوروبا ثقافة العلمانية المتطرفة ..ها نحن نرى الآن حالة تعافى من محنة العلاقة بين المرجعية الدينية والديمقراطية.وأصبح الإيمان حاضرا بقوة في حركة الأفكار وتطورها على نحو يزيل تلك القطيعة التاريخية مع (الدين)كونه النبع الفياض بكل ما هو عظيم وقويم.
فى لقاء لى الأسبوع الماضي مع أحد مفكرينا السياسيين الكبارطرحت عليه ما قاله هابرماس فأنكر معرفته بهذا الكلام..!!ما أدهشني أكثرهوعدم معرفته بأن له كتابين على درجة كبيرة من الأهمية فيما يتعلق بثلاثية (الدين والسلطة والمجتمع)الأول هو(نظريه الفعل التواصلي)والثاني(الدين والعقلانية)..الأهم والأخطر أنه لم يعرف أن للدكتورالمسيرى كتاب فى هذه المعاني بعنوان(الخطاب الإسلامي الجديد)وأن الرائد الكبير لجيل الحركة الإسلامية المعاصرة الدكتور أبو الفتوح له كتاب أيضا فى هذا المعاني بعنوان(مجددون لا مبددون)..هذا السياسى المخضرم قيمه فكرية وإستراتيجية كبيرة وهومن الأمناء فى أرائهم لكنه من أسف يعانى مما يعانى منه كثيرمن مثقفينا الكبار وهو حاله(توقف)عند أقوال أتاتورك وسلامه موسى وشميل..وأن الإسلاميين يريدون قطع يد السارق ومنع المرأة من العمل..وكل الطقم إياه الذين اعتاد اخوانا العلمانيون ترداده..(تمطى عليهم الليل بصلبه وأردف أعجازا وناء بكلكل)...لا أخفى عليكم كنت فى حاله خجل لم استطع إخفاؤها..لأن الرجل فعلا كان يريد أن يعرف..ولم ينكر معرفته بما قلت كبرا وجحودا..لكن المسائل فعلا تبلورت فى ذهنه بشكل نهائى على ماهى عليه..وهيهات هيهات من تغيير.(طوبى لمن يستطيع آن يكون كما لوأنه لم يكن أبدا). وحادثت نفسى بكثيرمن الأسى إذا كان هذا هوالحال عند(المفكر)الذى لاعمل له إلا البحث والسؤال ومتابعه حركة الأفكاروتطورها..فما يكون حال السياسى التنفيذى الذى لا يجد وقتا كافيا للمتابعة والتواصل..أم ماذا يكون حال الأجهزة المشغولة حتى شوشتها(بالمحظورين)..الذين بشرنا بهم (هابرماس) باعتبارهم سياسيين أصحاب مرجعيه دينية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: