الحال الذي عليه العالم العربي حاليًا، وخاصة في الانقسام الحاصل نتيجة التناقض الجوهري والخلاف الأساسي بين تيار المقاومة والتيار الرافض لها، والموقف من اعتماد المقاومة كأساس لاستخلاص الحقوق المغتصبة والتصدي للمشروع الصهيوني، هذا الخلاف لا يمكن لعاقل أن يتصوره، خاصة أفكار وحجج وثقافة التيار الرافض للمقاومة والقائل باعتماد المفاوضات كأساس للتعامل مع إسرائيل مهما بلغ عدوانها وهمجيتها.
أثناء العدوان الصهيوني الهمجي على غزة، تعالت أصوات التيار الرافض للمقاومة، محملة حماس مسئولية ما جرى لغزة من موت وخراب نتيجة سياسات الحركة وتوجهاتها، وخرج علينا كتاب ومثقفو ومنظرو ما يسمون أنفسهم بـ" الواقعيين والعقلانيين والمعتدلين" ليكيلوا التهم لقوى المقاومة بشكل عام مرددين أن الأمة لم تجن من هذا الخطاب الثوري إلا الهزيمة والفشل.
هؤلاء يستحضرون خطاب الأنظمة القومية العلمانية في مصر عبد الناصر، وفي عراق صدام حسين، وفي سوريا البعث، وفي ليبيا القذافي قبل أن يتوب وينيب وينبطح أمام الغرب والأمريكان.
لكنهم نسوا أو تناسوا الخلاف الجوهري والبنيوي الكامل والشامل في تركيبة كل من القوميين العلمانيين والإسلاميين العقائديين، فالأنظمة القومية العلمانية تنطلق من أن خلافها مع المشروع الصهيوني إنما هو خلاف سياسي على الأرض، أما الحركات الإسلامية فتنطلق من أن هذا الصراع إنما هو صراع تاريخي عقائدي بدأ منذ ظهور الإسلام وسيظل حتى آخر العالم، وأنه لا وسيلة لمواجهته إلا بالجهاد وثقافة الاستشهاد والموت في سبيل الله وفي سبيل الدين، دفاعًا عن أرض الأمة وعرضها وهويتها ومشروعها العالمي.
الخطاب القومي العلماني الذي حكم في العالم العربي كان عبارة عن عواطف وأمنيات ومقولات نظرية مستمدة بشكل أساسي من الفكر الغربي، ومن ناحية أخرى لم يكن خطابًا مبدئيًا ولا أخلاقيًا، وكانت تصرفات أهل الحكم القوميين العلمانيين تتسم بالبشاعة والظلم والجبروت أمام المواطن والانهزام أمام العدو، ثم كان مصيرها الهزيمة في ساحات الوغى أمام الجيش الصهيوني الذي لم يكن وقتها بهذه القوة.
أما الخطاب الإسلامي كما كان خلال مراحل التحرر الوطني لبلادنا العربية، وكما هو في حركات التحرر والمقاومة الحالية في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال، فإنه خطاب أخلاقي منضبط بالشرع محافظًا على حقوق الناس، رحيمًا بهم، وفي نفس الوقت شديدًا على أعداء الأمة، ينتصر عليهم ويمنعهم من تحقيق أهدافهم رغم ضعفه وقلة إمكاناته.
ولم تكن حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين إلا فروعًا من تجليات الجهاد والمقاومة ذات المنبع والمرجعية الإسلامية، التي أذاقت الصهاينة العذاب، بينما استسلم التيار القومي العلماني وانبطح بقيادة حركة فتح.
وهكذا فإن وصف تيار "الواقعيين والمعتدلين" لتيار المقاومة بأنه يمثل جهات متطرفة تطرح الشعارات دون إدراك لحدود قدراتها وإمكانيات الأمة، إنما هو اتهام يعكس حالة الجهل والعجز والهزيمة، فمن رفع الشعارات الجوفاء وعجز عن تحقيقها في الواقع هم هؤلاء "الواقعيون" الذين كانوا صقورًا ثم انهزموا، لكن ليس معنى هزيمتهم أن الإسلاميين المقاومين منهزمون مثلهم، بل إنهم ينتصرون في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال.
أما ما يقوله تيار العقلانية المنهزمة بأن تيار المقاومة يمثل تهافت الرغبة في إعمال عقلانية الاختيار الحر وممارسة الموضوعية حين النظر في ثنائية الحق التاريخي والمشروع الممكن، فهذا من أعجب العجب، وكأن هؤلاء الواقعيين يزعجهم صلابة تيار المقاومة وطول نفسه وصبره وتحمله، وأنه لم يخفض سقفه وإنما يصر على كامل الحق التاريخي، ويقول لتبقى راية المقاومة مرفوعة فإذا لم ينجح هذا الجيل في استرداد الحق فلا ينهزم ولا يسلم ولكن يترك الأمر للجيل القادم .. وهكذا.
إن الموضوعية والواقعية وتحقيق الممكن عند هؤلاء تنطلق من اعترافهم بالهزيمة أمام المشروع الصهيوني وأنهم لا يستطيعون مواجهته مستقبلاً حتى لا ينهزموا كما انهزموا في الماضي، وهذا مدخل شديد الخطورة والخطأ قاد إلى أطروحتهم الخاطئة. ونسوا أنهم هم الذين فشلوا في حشد طاقات الأمة وإعدادها لخوض معارك الشرف، بينما هناك من يمكنهم أن ينجحوا فيما فشلوا هم فيه.
تيار الواقعية والاعتدال يعيب على تيار المقاومة بأنه يستخف بدماء المدنيين ومعاناتهم حين يمارس المقاومة دون اعتبار للكلفة المحتملة، ونسى هؤلاء أو جهلوا أن لكل مشروع تحرر كلفته التي لابد أن يتم دفعها، ونسوا أن خسائر الأمة البشرية في عدوان غزة الأخير أقل بكثير من خسائرها في حوادث الطرق المصرية خلال عام واحد. ونسوا أن الشهادة في سبيل الله والتضحية هي التي تحرر الأوطان وليس اتفاقيات الاستسلام والهزيمة التي تجيدها الأنظمة القومية العلمانية العربية.
منظرو العقلانية والاعتدال العربي يتهمون تيار المقاومة بأنه لا يجيد القراءة الموضوعية للواقع السياسي الراهن، مما يعرقل صياغة مسارات واقعية للفعل الاستراتيجي والحركي تقرّب الفلسطينيين من الوصول إلى هدفهم المنشود. وهذا الاتهام قمة في الجهل والسطحية والغوغائية، فحركة حماس مقارنة بتيار أوسلو الاستسلامي، أعمق ثقافة وأفصح لسانًا وأوعى عقولاً وقلوبًا، وأكثر مقدرة على فهم معادلات الصراع، وأعداؤهم اليهود والأمريكان يعرفون عنهم ذلك، ويذوقون البأس في مواجهتهم في ساحات السياسة والتفاوض ولو على جندي واحد أسير أو في ساحات القتال كما حدث في غزة مؤخرًا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
28-01-2009 / 15:53:46 أبو محمد
سبحان الله عندما ينزل الخزي على شخص
أنا أتساءل ألم يقرأ هذا الصفيق ما يقول عليه غالبية التونسيين على إختلاف ألوانهم على الانترنت، لو كان ذو كرامة مكانه لعتزل المجتمع وبقي في بيته. الغريب أن التونسيين، حتى الملحدين منهم، يشمئزون منه، سبحان الله عندما ينزل الخزي على شخص .
28-01-2009 / 14:00:04 ابو سمية
فريق دعائي بائس يقتات من ضعف خصومه
من رايي ان أمثال برهان بسيس هذا ومن شاكله، يجب نحوهم مايبستحقون، وهو الاحتقار، في ظل غياب بدائل اخرى فعالة لايقافه الوقت الحاضر
هؤلاء الامعات، مروجو الواقع، بل اعمدته الدعائية، ماكان لهم ان يواصلوا البروز لو لاقوا مواقف فعالة ممن يفترض يقف في وجههم
حيث ان بقاء هؤلاء ، بل وبقاء من يدافعون عنهم عموما، لا تعني قوتهم، بقدر ماتعني ضعف الطرح الاعلامي والدعائي للطرف المقابل، الذي كما نعرف يرزح تحت طائل الاحساس بالنقص نحو الواقع ولا هم له غير استجداء الاعتراف واكتساب الانصار، وهو المركب الذي يحسن استغلاله برهان هذا وعموم فريقه الدعائي الذي يسعمله اهل الباطل بتونس.
28-01-2009 / 13:38:14 أبو محمد
وهذا إبداع آخر للصفيق برهان بسيس
بقلم: برهان بسيس
لم أفهم لماذا بادرت حماس لحظات بعد وقف العدوان إلى إطلاق خطاب تصعيدي ضدّ سلطة رام الله كانت أهمّ كلماته وأكثرها عنفا وصف خالد مشعل لفتح وحكومة الرئيس عبّاس بأنّها «مجموعة فاسدين».
طبعا منذ اليوم الأوّل للعدوان على غزّة كان التوقّع منتظرا أن تعلن حماس الانتصار في اللحظة التي يتوقّف فيها إطلاق النّار فذاك خيار مفهوم في ظلّ المعرفة المسبّقة لاستحالة تحقيق الآلة العسكرية الإسرائيلية لهدف القضاء على المقاومة واستئصالها من أرض غزّة على اعتبار أنّ هذه المقاومة ليست مجرّد كتائب عسكرية معلومة العدد والقواعد والتجهيز بقدر ما هي ثقافة منغرسة في واقع غزّة قادرة على التجدّد والتعبئة بفعل عمق الفجيعة والمظلمة التاريخية المسلّطة على الشعب الفلسطيني.
في ما وراء اللغط حول معنى النصر المعلن فلسطينيا أو إسرائيليا فإنّ أمام حماس خيارات عديدة تتعلّق بأدائها السياسي لمرحلة ما بعد العدوان يتطلّب قدرا من النّضج والذكاء والابتعاد عن الانجرار إلى لغة الغرور وتصفية الحسابات.
فلا شكّ أنّ من حقّ حماس أن ترسم أهدافا سياسيّة لهذه المرحلة وأن تستثمر نتائج العدوان لفائدة معركتها الرئيسية كتنظيم يسعى إلى كسب الاعتراف الإقليمي ولِمَ لا الدّولي مع وصول إدارة جديدة للحكم في الولايات المتحدة لم تخف تلميحاتها امكانية فتح قنوات اتّصال مع حماس.
حماس دافعت عن نفسها في مواجهة العدوان ولا بدّ من القول أنّه لم يكن باستطاعتها ولا في قدرتها ولا في نيّتها أو برنامجها أن تدافع عن الشعب الفلسطيني في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية المجنونة التي انضبطت بشكل كامل للعبة الاستدراج التي مارستها حماس طيلة أيّام العدوان بإطلاق صواريخ غراد من مناطق آهلة بالمدنيين لكي لا تتأخّر إسرائيل عن الردّ الفوري دون أيّ تردّد أو انشغال بفاتورة دماء الأبرياء.
الإحصاءات الحزينة تؤكّد أنّ الخاسر لم يكن لا حماس ولا إسرائيل بل المدنيين الفلسطينيين العُزّل الذين دفعوا أرواحهم في سياق معادلات مركبّة لقائمة من الحسابات الفلسطينية والإسرائيلية والعربيّة والإقليمية المعقّدة.
ما أسخف أن نفتّش دوْمًا للحروب عن منهزم أو مُنتصر والحال أنّ بعض الحروب ومنها حرب غزّة كانت حَرْبًا بلا عناوين تقليديّة، كاذب ومغرور من يقول أنه انتصر فيها سواء أولمرت المتهالك المتباهي بنصْر على بيوت الفلسطينيين وأطفالهم أو مشعل المسرور الفخور بأنّ ألم الفلسطينيين عابر ما دام قد مات من الفلسطينيين الكثير واستشهد من حماس القليل!!!
في هذه الحرب لا يوجد غير المهزومين: إسرائيل الساقطة أخلاقيّا، حماس الجشعة سياسيّا، النظام العربي المتذرّر والمجتمع الدولي الفاشل والعاجز.
مأزق الاعتراف بالشرعية سيتواصل مؤرقا لحماس وحساباتها الموزّعة بين حلفائها في الممانعة التي تتفاوت حدّتها حسب الظّرف والحاجة إلى تعبئة سلاح المدفعية الكلامية أو خفضه وبين رحلات الذهاب والمجيء إلى القاهرة حيث لا يزال الوسيط المصري المذموم/المرغوب صاحب الدور الأهم في منظومة التفاوض حول الترتيبات الممكنة على الأرض في غزّة وحولها.
قد تكون سلطة الرئيس عبّاس في أوجّ ضعفها لكن منطق الشرعية الدولية بغضّ النّظر عن عدالته لا يعترف بغير الرئيس عبّاس الطّرف الشرعي لتمثيل الشعب الفلسطيني في أيّ تفاوض خاص بتسوية قادمة وحماس تدرك أنّ العالم وقوّته الأكبر أمريكا لن تفاوض إيران أو سوريا أو قطر حول مستقبل الفلسطينيين. ربّما سيقع الاستماع لهم في أفضل الحالات لكنّ صاحب الشرعية في هذا التمثيل هو الرئيس عبّاس لذلك يكون من الخطأ السياسي أن يكون أوّل من يُطْلَقُ عليه النار بعد الحرب من طرف حماس هُو الرئيس عباس خاصة وأنه يبقى رغم كلّ الظروف وهو يعلن استعداده للحوار والوحدة الوطنيّة مَعْبَرَ حماس لهدفها الثمين الذي تكافح من أجله: الاعتراف!!!
28-01-2009 / 15:53:46 أبو محمد