البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

100 يوم على انقلاب سعيّد.. ماذا فعلت النخبة السياسية؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1144



مرت 100 يوم على انقلاب تونس الذي ألحق فيها أضرارًا يعسر جبرها بالبلد وبمسار بناء الديمقراطية، ولا يزال المنقلب يغالي في مشروعه ولا يهتم بالمعارضة الآخذة في الاتّساع من حوله، كأنه يعيش في كوكب آخر غير الأمكنة التي يعاني فيها الناس البؤس المادي والسياسي، فتنعكسُ غمًّا في النفوس وإحباطًا عظيمًا.

رغم ذلك فقد وفّر فرصة كبيرة لقراءة واقع الديمقراطيين، المزيّفين منهم والمخلصين (إن وُجدوا خارج آمالنا)، وعمّق الفرز بحيث يمكننا أن نتوقع من سيواصل في المستقبل طريق الديمقراطية ومن سيظل يعاديها ولو تحالف مع الشيطان الرجيم.

غير أننا رغم هذا الفرز العميق، لا نتوقع أن يعود المسار الديمقراطي بسرعة ليحكُم، فجرح الانقلاب سيظلّ مفتوحًا وينزف إلى أمدٍ طويل، ودوامه من دوام عجز النخب عن نقد مساراتها وأدوارها.

قضية الفضلات واختبار الخطاب الشعبوي
لا بأس أن تكون في تونس مدينة تُسمّى عقارب، أثار اسمها سخرية أصدقاء مشارقة، فبعض الأسماء سابقة في الوجود على من تداولها، وهذا عرض، أما الباطن فقد انكشفَ لمّا تذكّر سكان المدينة الصغيرة ذات الطابع الريفي أن قيس سعيّد مرَّ بهم في حملته الانتخابية، وكانوا قد رفعوا قبلها دعوى قضائية لتحرير منطقتهم من مصبّ فضلات قادمة من مدينة صفاقس الكبيرة ذات النشاط الصناعي الكثيف، فوافقهم على مطلبهم وقال لهم حسنًا، وقد حكم القضاء لصالحهم، فأُغلق المصبّ وارتدّت المزابل على مدينة صفاقس.

الرجل الذي وعدَ سكّان المنطقة بكل خير، نقضَ حكم القضاء الصريح وأمرَ بإعادة فتح مصبّ الفضلات، فثارت المنطقة فأرسل عليهم الأمن والجيش وضيّق عليهم حتى سقط أحد شبابهم صريع الغازات.

لقد اكتشفوا في الطريق مسؤولًا يخلف بوعده، فتعلّموا وتعلّم منهم كثيرون أن وعود الانتخابات ليست سياسة صادقة، وأن مماشاة الناس في رغباتهم تصطدم بسرعة بتعقيدات الواقع، فتكذّب كل خطاب شعوبي يصدر في لحظة زهو أو لحظة نفاق (لم يحدث هذا لأول مرة ولكن بقدر رفعة مكانة المسؤول تكون آثار الخديعة).

ويُعتبر هذا درسًا بليغًا لكل من ستسول له نفسه إطلاق وعود لن يقدر على تنفيذها، لأنه بكل بساطة لا يعرف الواقع على الأرض، بعد كذبة عقارب سيكون على كل من يتقدّم لحكم الناس ألّا يكذب عليهم، وسيظل الدرس مؤثِّرًا مهما كان الشكل الذي سيتواصل به المتقدمون للمسؤولية مع الناس في المستقبل.

لقد قالت عقارب، التي تعيش تحت الدخان، إن حبل الشعبوية السياسية قصير، وقد كشف الرئيس الحالي وحذّر كل رئيس قادم، والناس يمحَصون خطاب الشعبوية بعيون مطموسة بالغاز.

لقد فقد الرئيس لديهم كل مصداقية، وسقط خطاب العطف على الشعب الذي روّجَ له المنقلب ووصلَ به إلى سُدّة الحكم، وقد كان من خوفه من انكشاف الخديعة أنه لم يضع قدمه في المنطقة، ولم يواسِ الناس في شهيدهم، ولم يوقف النزف المتواصل في لحظة كتابة هذا المقال.

غاز عقارب والنخبة السياسية
تقع على الرئيس وحزامه وحكومته الهاربة من الحقيقة قبل غيرهم مسؤولية فتح مصبّات المزابل، فهي مهمة وزارة البيئة التي ألغاها الرئيس في حكومته الحالية، وليس على البلديات المنتخَبة التي تقفُ مسؤوليتها عند التجميع والنقل إلى المصبّ القانوني.

ويكون تنظيم ذلك تحت مسؤولية الوالي المكلَّف بالمنطقة، وهو نائب الرئيس وقد عزلَ الرئيسُ واليَ صفاقس ولم يعيّن له بديلًا، فعقّد الوضع على كل من يروم حل المشكل بطريقة قانونية.

في الأثناء لم يقف الناس الموقف نفسه من مصيبة عقارب، فقد برّرَ أنصار الرئيس ذلك بل صوّروا الأمر كتحريض سياسي ضدّه، رغم أن أيًّا من الأحزاب لم يظهر في توجيه حركة الناس في المنطقة، بينما ظل معارضو الانقلاب في حيرة، فلا هم أعلنوا تضامنًا مع المنطقة، ولا وسّعوا الاحتجاجات إلى غيرها لإعطاء الأمر الأهمية التي يستحقّ.

وهذا أمر كاشف لأمر أكبر، حيث طبّقت المعارضة مبدأ "دعه يواجه مشاكله بنفسه"، أو "دعه يخطئ دعه يقع"، متناسين أن هذه الحيلة القصيرة النَّفَس هي تخلٍّ إرادي عن خدمة الناس في المستقبل.

ولا أحد منهم طرح السؤال، إذ بأي وجه سيعودون إلى مدينة عقارب وأهلها في المستقبل؟ إنها حالة من اللامبدئية تكشف غياب كل تفكير سياسي استراتيجي، يبني نفسه على ثوابت أخلاقية لا تتأثر بالظرفي والعابر.

وهو الموقف نفسه الذي كانت تتّخذه النقابات والسياسيون المعارضون، لمن حكم منذ الثورة في قضية الفوسفات المعطَّل وقضايا مماثلة، رغم أهمية الفوسفات كرافد أول للموازنة. لقد تغيّرت المواقع السياسية ولم تتغير التكتيكات الكيدية المخرِّبة للديمقراطية.

لقد كشفَت مزابل عقارب المزابل السياسية المتراكمة في عقول النخبة، وهي شعبوية أخرى نعتبرُ كشفها أهم درس من الانقلاب الفاشل.

الدرس الكبير
ليس للمنقلب مشروع لقيادة البلد، لقد صار هذا محل إجماع واسع وقد التحقَ به كثير ممّن ناصرَ الانقلاب في أيامه الأولى، لكن ليس لمعارضي الانقلاب مشروع أيضًا، لذلك نراهم منكبّين على أشكال من الصراع السياسي المتسلِّل من فترة ما قبل الثورة وما بعدها إلى زمن الانقلاب.

يتجلّى لنا هذا العجر أو الفقر في الأفكار وفي البرامج وفي عدم نقد الأحزاب والنقابات لمواقفها قبل الانقلاب، لم يصرِّح أحد بتحمّله لجزء من مسؤوليته الفشل قبل 25 يوليو/ نموز، وهو النقد الضروري الذي انتظرناه لنبني عليه ما بعد إسقاط الانقلاب ومحو أثره القانوني على الدولة وعلى مؤسساتها المعطَّلة الآن.

100 يوم كانت كافية ليثوب الجميع إلى رشد سياسي يسهّل التقدُّم على الجميع، وينهي حالة الاحتراب السياسي التي أدّت إلى الانقلاب، لكن العكس هو الذي نعاين، الكبر والغرور والتكايد الذين يموّهون الروح الاستئصالية المتفشّية بين مختلف التكوينات السياسية، وبعضها ميكروسكوبي لا يكاد يُرى في الشارع لكنه يمسك مفاصل الدولة، ويستخدمها لصالح تخريب المسار الديمقراطي ولو بالانتصار للانقلاب رغم الوعي بعجزه وفشله.

هل هذا الدرس مفيد؟ نعم، نحن نراه كذلك من زاوية أنه مذهب لتخفيض سقف التفاؤل بما بعد محو الانقلاب، فالنخبة الظاهرة ستعيد إنتاج مشاكلها وتسويق براءتها في قادم الأيام، بما يعني أنها لم تعِش الانقلاب ككارثة سياسية ولم تعِ دروسه.

فالدرس الغائب أو العبرة التي لم يستقيها أحد، هي أن أسباب تخريب ما قبل الانقلاب لا تزال مستمرة، حتى إذا ذهب بنا التفاؤل واصطناع الأمل إلى أن الانقلاب ساقط بالقوة، فإن ما يعدّه لن يختلف عمّا قبله.

نختصر؛ لولا عجز النخب عن التعايش داخل الديمقراطية قبل الانقلاب لما حدث الانقلاب، ولولا اختلافها لما استمرَّ الانقلاب 100 يوم، ولما طمعَ أمثال المنقلب أصلًا في التطاول على الديمقراطية.

لقد كتبنا كثيرًا أن الرئيس مرَّ إلى الحكم من هذا الشقاق الكاشف لقصر النظر السياسي، وما زلنا نعتقد أنه قادر على الاستمرار رغم سوء تدبيره في عقارب الذي لم ترَه النخبة درسًا.

سنكون في الشارع في اليوم الـ 14 من هذا الشهر ضد الانقلاب، لكن بواقعية مرّة، أي بسقف منخفض جدًّا. هزال النخبة سمح للمفلس بسوم تونس سومًا بخسًا، لكنه في الباطن جزء من هذه النخبة، حيث لم نرهم يسومونها بقدرها بل برغباتهم الصغيرة.







 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 16-11-2021   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
إياد محمود حسين ، محمود سلطان، علي الكاش، د- هاني ابوالفتوح، أشرف إبراهيم حجاج، ضحى عبد الرحمن، عبد الله الفقير، د- محمد رحال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صلاح الحريري، طلال قسومي، أبو سمية، عبد الله زيدان، رشيد السيد أحمد، رحاب اسعد بيوض التميمي، د.محمد فتحي عبد العال، رافع القارصي، خالد الجاف ، ماهر عدنان قنديل، أحمد الحباسي، أحمد ملحم، د - صالح المازقي، د. طارق عبد الحليم، فهمي شراب، الناصر الرقيق، خبَّاب بن مروان الحمد، مجدى داود، المولدي الفرجاني، سليمان أحمد أبو ستة، رمضان حينوني، د. أحمد محمد سليمان، فوزي مسعود ، محمد يحي، د - عادل رضا، عبد الغني مزوز، عمار غيلوفي، علي عبد العال، منجي باكير، حسني إبراهيم عبد العظيم، حميدة الطيلوش، جاسم الرصيف، د- محمود علي عريقات، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - محمد بنيعيش، الهادي المثلوثي، د - المنجي الكعبي، محمود طرشوبي، كريم السليتي، محمد اسعد بيوض التميمي، عمر غازي، عراق المطيري، محرر "بوابتي"، سلوى المغربي، حاتم الصولي، فتحي العابد، نادية سعد، أ.د. مصطفى رجب، عزيز العرباوي، مراد قميزة، د - شاكر الحوكي ، الهيثم زعفان، صفاء العراقي، محمد عمر غرس الله، د. خالد الطراولي ، د. عبد الآله المالكي، إسراء أبو رمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صلاح المختار، رافد العزاوي، محمد الياسين، سامر أبو رمان ، صفاء العربي، فتحـي قاره بيبـان، مصطفي زهران، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رضا الدبّابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، العادل السمعلي، سلام الشماع، محمد شمام ، د - الضاوي خوالدية، سيد السباعي، محمد أحمد عزوز، حسن الطرابلسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- جابر قميحة، د - محمد بن موسى الشريف ، فتحي الزغل، سفيان عبد الكافي، يحيي البوليني، كريم فارق، سعود السبعاني، ياسين أحمد، د - مصطفى فهمي، سامح لطف الله، محمود فاروق سيد شعبان، عواطف منصور، د. أحمد بشير، د. صلاح عودة الله ، عبد الرزاق قيراط ، أحمد بوادي، أحمد النعيمي، حسن عثمان، مصطفى منيغ، محمد الطرابلسي، تونسي، محمد العيادي، صالح النعامي ، يزيد بن الحسين، وائل بنجدو، أنس الشابي، صباح الموسوي ، إيمى الأشقر،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة